المبحث الثاني رحلته إلى الشرق

قبل الخوض في تفاصيل رحلته لا بد من التنبيه على أهمية الرحلة ودوافعها عند العلماء. وهي عند ابن العربي ترجع إلى عاملين: علو الإِسناد، والثاني لقاء العلماء ومذاكرتهم, لأن أئمة الحديث كانوا أشد الناس اهتماماً بالرحلة ومقاساة مشقتها، وذلك اهتماماً منهم بسنَّة المصطفى، - صلى الله عليه وسلم -، وخدمة لها ولأهلها، وقياماً بواجبهم وتأدية لأمانة التبليغ، وقد أجمل الخطيب، رحمه الله، مقصود الرحلة في أمرين فقال: المقصود بالرحلة في الحديث أمران:

أحدهما: تحصيل علو الإِسناد وقدم السماع.

والثاني: لقاء الحفّاظ والمذاكرة لهم والاستفادة عنهم. فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره فلا فائدة من الرحلة، فالاقتصار على ما في البلد أوْلى. [فتح المعنيث 2/ 87].

ويقول ابن خلدون إن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم، والسبب في ذلك أنّ البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارةً علماً وتعليماً وإلقاءً، وتارة محاكاة وتلقيناً بالمباشرة، إلَّا أنَّ حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاماً وأقوى رسوخاً، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها .. فالرحلة لا بدَّ منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال [مقدمة ابن خلدون ص 541].

وللأسباب السابقة كانت رحلة القاضي أبي بكر من الأندلس إلى المشرق ليحصل مقاصد الرحلة في طلب العلوم بصفة عامة والحديث بصفة خاصة.

ويحدد ابن العربي ملامح الرحلة بقوله: خرجنا مكرمين أو قل مكرهين آمنين وإن شئت خائفين، ففررت منكم لما خفتكم، فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين وكتبني في أتباع من قال: {إنّي ذَاهِبٌ إلَى رَبّي سَيهْدِينِ} [الصافات/ 99].

فكان أول بلدة دخلت مالقة (?)، فألفيت بها أمة رأسهم الشعبي (?) أشهر ما عنده نسبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015