المبحث الثاني
عقيدته
قبل التعرض لعقيدته ينبغي التنبيه على أن المغرب لم يعرف قبل دولة الموحّدين إلا العقيدة السلفية الصحيحة.
قال الذهبي: قال اليسع بن حزم: سمى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين وكان أهل المغرب يدينون بتنزيه الله تعالى عما لا يليق بجلاله تعالى مع تركهم الخوض عما تقصر العقول عن فهمه (?).
ويقول المراكشي: دان أهل المغرب، في عهد المرابطين، بتكفير كل من ظهر منه الخوض في شيء من علم الكلام، وقرر الفقهاء، عند أمير المسلمين، تقبيح علم الكلام وهجرهم من ظهر عليه شيء منه وأنه بدعة في الدين وربما أدّى إلى اختلال في العقائد (?).
ولم تتعزز العقيدة الأشعرية وتنتشر إلا بعد أن قوّاها سلطان ابن تومرت (ت 524) وكان جلّ ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي أهل الكلام، وألَّف لهم -أي لقومه- كتاب (أعز ما يطلب) ووافق المعتزلة في شيء والأشعرية في شيء (?)، وسار من بعده على منهجه خليفته عبد المؤمن بن علي وأولاده.
وابن تومرت وإن كان وفد على أهل المغرب بهذه العقيدة فإنه كان وفد بها قبله القاضي ابن العربي وذلك لأن مصدرهما واحد وهو الغزالي، أخذاها عنه ببغداد في فترات متفاوتة، وعندما عاد القاضي إلى وطنه نشر هذه العقيدة بين طلابه وبثَّها في كل كتبه، فلم يخلُ منها كتاب، وأفردها بكتب كالعواصم من القواصم والمقسط والمتوسط، والغريبين.
والمطالِع لكتبه يلمس ذلك جلياً؛ فهو، رحمه الله، إمام العقيدة الأشعرية بالأندلس وهناك بعض الأمثلة من كتبه: فهو عندما تكلَّم على شرح حديث: ينزل ربُّنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، ثم تكلم عليه إلى أن قال: والنزول حركة، والحركة لا تجوز على الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ إلا العدول عن