لأحدهم حاجة تمنعه من الحضور إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ينوب أحد إخوانه فينقل له ما سمعه من رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -. ففي البخاري عن عمر بن الخطاب قال: كنتُ أنا وجار لي من الأنصار في بني أُميّة بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ينزل يومًا وأنزل يوماً، فإذا نزلتُ جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وإذا نزل فعل مثل ذلك .. (?).
وهكذا كان اهتمام الصحابة، ومن بعدهم، في حفظ السنة ونقلها جيلاً بعد جيل، رواية وحفظاً، دون اعتماد على كتابة أو تدوين. لذا لم تكن الأحاديث في عصر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، وعصر أصحابه والتابعين مدوَّنة في الجوامع، ولا مروية, لأنهم كانوا، في بداية الأمر، نُهُوا عن الكتابة. روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهِ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ. وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً .. فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (?) وذلك مخافة اختلاط القرآن الكريم بغيره.
وبعد أن رسخ حفظ الصحابة للقرآن ولم يُخْشَ خلطهم له بسواه أذِن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، لبعض الصحابة بالكتابة.
فقد روى الإِمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: "كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أُكْتبْ فَوَالَّذِي نفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنّي إلّا حَقٌ" (?).
وهكذا ثبت النهي عن كتابة الحديث، وثبت الأمر بها وكلا الأمرين حق.
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري: ذهب بعض العلماء إلى أنّ أحاديث السماح بالكتابة نسخت أحاديث النهي عنها، وذلك بعد أن رسخت معرفة الصحابة بالقرآن فلم يُخشَ خلطهم له بسواه. وممن ذهب إلى النسخ من المتقدمين ابن قتيبة الدينوري، ومن