وقد أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بالغسل من الحمى فقال: (فأبردوها بالماء) (?) وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يصب عليه في مرضه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن (?) وقد استرقى بجبريل وقال له باسم الله أرقيك والله يشفيك (?).

القول الثالث: وقالت طائفة أخرى يجوز التطبب قبل حصول الداء احترازًا منه واستدامة للصحة التي هي قوام العبادة وهذا كله قد استوفيناه على التفصيل والتطويل في شرح الحديث لانتشار أطرافه وكثرة تفاصيله والذي يضبطه الآن ثلاثة فصول:

الفصل الأول: أن التطبيب جائز من غير شك لا يحط المرتبة ولا يقدح في المنزلة وذلك إذا نزل الداء فأما قبل نزوله فقال علماؤنا إن ذلك مكروه والذي عندي فيه أنه إذا رأى المرء أسبابه وخشي من نزوله فإنه يجوز له قطع سببه بالتداوى فإن قطع السبب قطع للمسبب ولو كان التداوي يحط المرتبة والاسترقاء يقدح في المنزلة ما استرقى - صلى الله عليه وسلم - ولا رقى ولا تداوى فأما قوله هم الذين لا يسترقون الحديث ففيه ثلاث تأويلات الأول هم الذين لا يسترقون بالتمائم كما كانت العرب تفعله التأويل الثاني هم الذي لا يسترقون قبل حلول المرض التأويل الثالث هم الذين لا يسترقون عند اليأس كما فعل الصديق. فإن قيل لو ترك رجلٌ التطبب والاسترقاء أصلًا وتوكل على الله تعالى وفوض أمره إليهِ ولم يستعمل رقيةً ولا دواء. قلنا إن صحت نيته وتناسبت أفعاله فهي منزلة كما قلنا وقليل ما هم وإن لم تتناسب أفعاله فقد ترك سنةً، وإنما يترك التطببُ كما قلنا في حالين قبل الداء وسببه وعند اليأس كما فعل الصديق وكما فعلَ عمران بنِ حصين فإنه قد كان صار له الداء زمانة حتى لزمه أربعين عامًا والزمانة لا يبرأ منها أبدًا فاستعمل هو الكي مع اليأس فما أفلح ولا أنجح وحطت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015