نكتة بديعة وهو أنه محمود في الجملة، كالصّمت محمود في الجملة لكثرة آفات الحركة وكثرة آفات الكلام، وقد يكون الشيء ممدّحًا بذاتِه وصفاتِه وقد يكون ممدحًا بقلة آفاته وترك الشرّ للناس صَدقة لا سيما وقد قال علماؤنا رحمة اللهِ عليهم: إن أوَّل ما خلقَ الله تعالى السكون والحركة بعده ثانيًا، ويستحيل عقلًا أن تسبقه الحركة، فصار السكون ممدَّحًا بأصل الخلقة وبيَّن أيضًا ندبَ الصَّدقة إليه والتحضيض في الخلق عليه فقال: (ردُّوا السائل ولو بظلفٍ محرق) (?) وليس بمثل وإنما هو حقيقة فإنما خاطبَ به قومًا كانوا يأكلون الجلودَ والعدس ويمصُّون النَّوى، فإذا وجدوا ظلفًا محرقًا كانت غايةً لهم في اللذة، وأيضًا فإنه بّين فيه حال المسكين وهو الذي لا شيء له لاختلاف الناس فيه، والفقير والمسكين اسمان مشتركان في وجه (واحد) (?) مفترقان في آخر، فقد يكون الفقير مسكينًا وقد يكون المسكين فقيرًا، وقد يخرج عنه لأشكالهما اشتقاقًا ولارتباطهما معنى ولفظًا جمع الله بينهما في الصدقة واشتغل الناس لقلة تحقيقهم بأن يطلبوا الفرق بين المسكين والفقير وليس المقصود هذا حتى تفنى فيه الأعمار وتسود به الأوراق وإنما المقصود أن الناس المحتاجين قسمان، قسم لا شيء له، وقسم آخر له شئ يسير فأعطيهما جميعًا من الصدقة وسمّهما كيف شئت فإنما يعرفان بحالهما لا بأسمائهما، فافهم هذا, ولا تضيع زمانك فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015