على التوحيد عظيمة، فإن بين جنبيك موجوداً ترى أفعاله مشاهدة ولا تقدر أن تصل إلى درك حقيقته، ولا تحيط بكيفية صفته، فلا تستنكرنّ وجود الإله الذي نشاهد أفعاله ولا سبيل إلى الإحاطة به، ولا تغترنّ بمن يقول هي جسم (?) أو عرض (?) فإن ذلك كله ضعف في المعرفة ومرض وقد بيَّنا في كتاب المشكلين معنى الأخبار الواردة فيها.
قال الأستاذ أبو المظفر (?) الإِسفرائيني: قال الله تعانى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (?) فأخبر تعالى أنه يتوفاها في الوضعين، وقال عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (?).
وقال تعالى في موضع ثالث: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى (?) الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} والثلاثة الأحوال المعدَّدة حالة واحدة في الحقيقة، ووجه الجمع بينها أن الله تعالى هو الفاعل الأول الكلي، جعل إلى ملك الموت جزءاً من أفعاله وهو قبض الأرواح قرن به جنوداً من ملائكته وأوعز إليهم أن يتصرفوا بأمره. فإذا أمر الله عَزَّ وَجَلَّ الملك فبادر إلى أمره أعوانه وتولو حينئذ أمر ربهم، فإذا نسبته إلى الأول الحقيقي قلت إن الله قبض أرواحنا وإذا نسبته إلى الواسطة المقدم لذلك قلت: يتوفّاهم ملك الموت، وإذا نسبته إلى المباشرين