قيل له: تسمية العارض شبهة، فيه شبه مغالطة، فإن من جزم بشيء ثم عرض له ما يجزم بأنه شبهة، فإن لا يتغير جزمه الأول، وإنما يتغير حيث يجوز أن العارض دليل، فعلى هذا، إذا كنت الآن تجوز في بعض ما تجزم أن يعرض ما يشكك فيه ويزيل جزمك، فمعنى ذلك أنك تجوز أن يعرض مشكك فيه يحتمل أن يكون دليلاً صحيحاً، وأن يكون شبهة، (?) ويوضح هذا أن بعض المسائل الحسابية والهندسية واليقينية يجوز لجازم بها بعد أن يحيط بها أن يعرض ما يظهر منه خلاف ما جزم به، ولكنه يجزم الآن بأنه لوعرض ألف عارض من تلك العوارض لما تغرير جزمه، وكما يجزم بهذا في حق نفسه، فكذلك يجزم في حق غيره بأن من عرف تلك المسألة كما عرفها، لا يتغير جزمه ما دام عقله، فهذا هو الذي يصح أن تحكم بأنه جازم أن العارض لا يكون إلا شبهة.
فإن قيل: فما قولك أنت؟
قلت: أقول: إن الإيمان يتفاوت، وإن ذلك التجويز المستعبد إذا كان صاحبه ينفر عنه، ويشفق منه، ويستعيذ بالله عز وجل فإنه لا يضر، بل ولا يضره عروض الشبهة إذا كان عند عروضها يتألم ويتأذى وتشق عليه، ويبادر إلى طردها عن نفسه مستعيذاً بالله عز وجل، وإنما يضره أن يأنس بها، وتستقر في نفسه، وتبيض، وتفرخ، حتى يصدق عليه اسم «مرتاب» هذا هو تدل عليه النصوص، والذي لا يسع الناس غيره و «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» .
ومعيار الإيمان القلبي العمل، ولهذا كان السلف يقولون: «الإيمان قول وعمل» ، ولا يذكرون الاعتقاد، وكانت المرجئة تقول: «الإيمان قول» . ثم منهم من يوافق أهل السنة على اشتراط الاعتقاد، ومنهم من لا يشترطه في اسم الإيمان، ولكن يشترطه للنجاة، وهذا قول الكرامية. ومنهم من لا يشترطه في اسم الإيمان، ولا في النجاة، وهؤلاء هم الغلاة.