أصير مؤمناً إلا بأن يكون يقيني مساوياً ليقين جبريل ومحمد عليهما السلام فهذا ما لا يكون، ففيم إذاً أعذب نفسي بالأعمال فأجمع عليهما عذاب الدنيا وعذاب الآخرة؟ !
وبعد فيكفي مبرراً لإنكار ذاك القول مخالفته للنصوص الشرعية، وأما النصوص على أن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص بحسبها فمعروفة، حتى اضطر الكوثري إلى المواربة، فزعم أن أبا حنيفة إنما كان يدفع أن يكون العمل ركناً أصلياً لا أنه من الإيمان في الجملة، كاليدين والرجلين وغيرها من الأعضاء بالنسبة إلى الجسد هي منه وينقص بفقدها مع بقاء أصله، وإن كان في لعض عبارات الكوثري ما يخالف هذه الدعوى.
وأما النصوص على أن الإيمان القلبي يزيد وينقص، فمنها الأحاديث الصحيحة في أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ثم من قالها وفي قلبه مثقال حبة خردل من لإيمان، ثم من قالها وفي قلبه أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان. (?)
فأما قول الله عز وجل: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» فليس فيها ما ينافي أن تكون الأعمال من الإيمان، وإنما غاية ما فيها أن الاعتقاد القلبي ركن ضروري للأيمان، فلا يكون الإنسان مؤمناً حقاً بدونه، فإن قوله «لم تؤمنوا» نفي لإيمانهم، ويكفي نفيه