الذي يسوغ أن يقال: إن ما أثبته قطعاً فهو حق، ودون ذلك نظر متعمق فيه، مبني على تدقيق وتخرص ومقاييس يلتبس فيها الأمر في الإلهيات ويشتبه ويكثر الخطأ واللغط، ويطول النزاع والمناقضة والمعارضة على ما أوضحناه في الباب الأول. فهذا هو الذي اعتمده أشياخكم مع اعترافهم بوهنه، ولذلك رجع بعض أكابرهم عنه كما سلف.

فإن قالوا: وكيف يجوز أن يعتمد أولئك الأجلة على ما يسوغ الاعتماد عليه.

قلت: لم يكونوا معصومين، وقد اختلفوا، وخالفهم من هو مثلهم وأعرف منهم بالنظر وبحسبكم أن أكابرهم رجعوا في أو اخر أعمارهم كما مر.

هذا وما منا إلا من يعتز بآبائه وأشياخه، ويعز عليه أن يتبين أنهم كانوا على باطل، ولكن أقل ما يجب علينا أن نعلم أن آباءنا وأشياخنا لم يكونوا معصومين، وهب أنه يبعد عندنا جداً أن يكونوا تعمدوا الباطل، فما الذي يبعد أن يكونوا غلطوا وأخطأو ا؟ وعلى كل حال فليسوا إلا أفراداً من المسلمين وقد اختلف المسلمون، في الفرق الأخرى أئمة وأكابر إن لم يكونوا أفضل من آبائنا وأشياخنا فلم يكونوا دونهم، وإذا راجعت نفسك علمت أنك لست بأحق من مخالفك بالقناعة بما مضى عليه الآباء الأشياخ، وأنه كما يحتمل أن يكون آباؤه وأشياخه هم المبطلين عمداً أو خطأ فمن المحتمل أن يكونوا هم المحقين، بل الحق أنه لك ولا له في التضحية بالنفس والدين في سبيل التعصب الفارغ الذي يعود بالخسران المبين، وبالضرر على الآباء والأشياخ أنفسهم، كما مر في أو ائل الرسالة. فدع الآباء والأشياخ، والتمس الحق من معدنه، ثم إن شيءت فاعرض عليه مقالة آبائك وأشياخك فما وافقه حمدت الله تعالى على ذلك، وما خالفه التمست لهم العذر، برجاء أن يكونوا لم يعتمدوا الباطل، ولم يقصروا تقصيراً لا يسعه عفوالله تبارك وتعالى، بل قد ثبت رجوع بعض أكابرهم كما مر (?) في الباب الأول، ولعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015