وقوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به» ، وينطبق على كل من القولين، إلا أنه القول الأول يكون قوله: «وَالرَّاسِخُونَ» عطفاً، والمعنى أن الراسخين يعلمون تأويله أيضاً، وعلى القول الثاني يكون قوله: «وَالرَّاسِخُونَ» استئنافاً، فهم لا يعلمون تأويله، وإنما امتازوا بأنهم لا يتبعونه إتباع الزائغين، بل يقولون: «آمَنَّا به» الآية.
ويدل على تصحيح كلا القولين أن من الناس من وقف على قوله: «إلا الله» ، ومنهم من لم يقف، وأنه صح عن ابن عباس أنه ذكر الآية ثم قال: «أنا ممن يعلم تأويله» . وصح عنه أنه قرأ: «ويقول الراسخون» .
والتأويل على القول الأول بمعنى التفسير، وعلى الثاني بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها اللفظ، ففي قوله تعالى: «لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي» تأويل اليدين حقيقتهما وكنههما على ماهما عليه.
واعلم أن التأويل يكون للفعل، كخرق صاحب موسى (?) سفينة المساكين، وقتله الغلام وإقامته الجدار، ويكون للرؤيا، ويكون للكلام. فتأويل الفعل إما مآله أي ما يؤول إليه، وهو المقصود من فعله كسلامة السفينة من غضب الملك، وسلامة أبوي الغلام من إرهاقه، وسلامة كنز اليتيمين، وإما بيان أن الفعل يؤول إلى المآل. قال الله تعالى فيما قصة عن صاحب موسى: «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» ثم أخبره بأن القصد من تلك الأفعال أن تؤول ذاك المآل، ثم قال: «ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً» وقال تعالى: «ذَلِكَ (?) خَيْرٌ