الناقد: في المقصد الرابع أن معاني تلك النصوص كانت موافقة لعقول المخاطبين، فإن سلمت ذلك سقط كلامك هنا لثبوت أنها لم تكن عندهم محتملة للامتناع، فعلى فرض أن احتمل الامتناع يعد قرينة فلم يكن حاصلاً لهم، فكيف يعتد عليهم به؟ وقد مر الكلام في هذا، وإن لم يسلم فينظر فيه في المقصد الرابع.

المتكلم: لم يكن القوم ماهرين في علوم المعقول فلا يعتد بإدراك عقولهم الوجوب أو الجواز، بل يبقى الحكم في حقهم الاحتمال، فإن لم يشعروا بقصورهم القاضي عليهم بالتوقف فقد قصروا.

السلفي: كيف لا تعتد بعقولهم وقد اعتد بها رب العالمين فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأمرهم بالظر والتفكر والاعتبار والتدبر، وقبل إيمان من آمن منهم وأثنى عليهم، نقم كفر من كفر منهم وعاقبه عليه؟ ! وقد مر في صدر هذه الرسالة ما فيه الكفاية.

المتكلم: فدع هذا، ولكن لي نظر في دعوى أن عقولهم كانت موافقة لتك المعاني.

الناقد: فيأتي الكلام في المقصد الرابع.

السلفي: هب أن تلك المعاني كانت محتملة في عقول القوم أي أنهم لا يدركون وجوبها ولا امتناعها ولا تقطع عقولهم بجوازها، فدعواك أن احتمال الامتناع عقلاً قرينة توجب التوقف في ظاهر الخبر دعوى باطلة عقلاً وشرعاً وعملا، أما العقل فإنه يقتضي قبول ظاهر الخبر إذا كان المخبر ثقة أميناً لا يخشى منه الكذب ولا التلبيس، إذ الغالب صدقه، والغالب في الأخذ به حفظ المصلحة واتقاء المفسدة، ولا يفرق العقل بين ما يقطع المخاطب بجوازه وما لا يقطع، لأن الخبر الثقة الأمين غالب صدقه في الحالين، وحفظ المصلحة غالب في الأخذ بظاهر خبره في النوعين، فأما إذا ثبت عقلاً أن المخبر معصوم عن الجهل والغلط وعن الكذب والتلبيس، فوجوب قبول خبره بغاية الوضوح، بل إذا قطع المخاطب بعصمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015