فارجع إلى قصائد الشعراء المخضرمين، واقرأ رسائل النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ورسائل سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى تنكشف لك هذه الحقيقة جلية واضحة، فلو جاء الكلام على غير ما كانوا يعهدونه من طرائق البيان، لوقعوا في الحيرة، وواجههم شيء لا يألفونه ولا يأنسون به، وشوش عقولهم وأقلق خاطرهم.
ثم إن الغرض ليس مجرد إفادة ما لا يعلمونه، بل إفادته مع التكرار والاستحضار مرة بعد مرة، ويتوفر هذا المعنى في غير المرتب ما لا يتوفر في المرتب من الكلام (على طريقة المتون الكتابية) .
وجه اختيار الأوزان والقوافي الجديدة:
ولو سألنا: لماذا لم يختر القرآن الكريم تلك الأوزان والقوافي التي تعرف لدى الشعراء وهي أحلى وألذ، قلنا: إن اللذة والحلاوة أمر نسبي، يختلف باختلاف الشعوب والبلدان والعقول والأذواق، ولو سلمنا - جدلا - أن تلك أحلى وألذ، فإن إبداع أسلوب جديد ونموذج جديد من الأوزان والقوافي على لسان الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أمياً لم يقرأ ولم يكتب، آية ظاهرة من الآيات الدالة على نبوته ورسالته ولو كان القرآن قد نزل على أوزان الشعر وقوافيه المعروفة لذهبت بالكفار الظنون إلى أنه شعر من شعرهم المتداول المعروف، ولم يعيروه كبير اهتمام ولم يبالوا به.
ومعلوم أن البلغاء من الشعراء المفلقين والكتاب المجيدين