والأبيات والذي استعملنا للإلماح إليه كلمة "النشيد" كقدر مشترك مطلق، ثم ضبط تلك الأمور والخصائص التي التزم بها في الآيات والتي تميزها عن غيرها، فكل ذلك يحتاج إلى تفصيل، والله ولي التوفيق.
تذوق الفطرة السليمة:
وتفصيل هذا الإجمال هو أن الفطرة السليمة تدرك في القصائد الموزونة المقفاة والأراجيز الجميلة الرائقة وأمثال ذلك من الكلمات الموزونة متعة خاصة، وتتذوق حلاوة وعذوبة.
وإذا تأملت في سبب هذا الإدراك وبحثت عن السر وراء هذا التذوق تجد أن الكلام إذا كانت أجزاؤه يوافق بعضها بعضا فإنه ينشئ في نفس المخاطب لذة خاصة ويدعوه إلى انتظار مثله والشوق إليه، فإذا ورد بعد ذلك البيت الثاني - مثلا - مع ذلك التوافق والانسجام بين أجزائه وقع موقعه على نفس المخاطب وتحقق الأمر المطلوب المنتظر فإن هذه اللذة تتضاعف، ثم إذا كان البيتان كلاهما يشتملان على قافية واحدة زادت اللذة ثلاثة أضعافها.
فالتمتع والالتذاذ بالأبيات الشعرية بسبب هذا السر الدقيق فطرة قديمة فطر عليها البشر، ولا اختلاف فيها بين الأمزجة والطبائع السليمة لأهل المناطق المعتدلة وكلهم متفقون على ذلك.