آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره، ففكرت من هو؟ فوجدته المفتي يأتيه رجل قد حنث في امرأته ورقيقه، فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب الحانث فيتمتع بامرأته ورقيقه، وقد باع المفتي دينه بدنيا هذا، وسأله رجل عن مسألة، فتردد إليه ثلاثة أيام، فقال: ما أصنع لك يا خليلي؟ مسألتك هذه معضلة، وفيها أقاويل، وأنا متحر في ذلك؛ فقال له: وأنت- أصلحك الله- لكل معضلة، فقال له: هيهات يا ابن أخي لست بقولك هذا أبذل لك لحمي ودمي إلى النار، وكان يزري على من يعجل في الفتوى، ويذكر النهي عن ذلك عن معلميه القدماء وقال: إني لأسأل عن مسألة أعرفها، فما يمنعني من الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدي على الفتوى، وقيل له: إنك تسأل عن المسألة، لو سئل عنها بعض أصحابك أجاب، فتتوقف فيها، فقال: فتنة الجواب بالصواب أشد من فتنة المال.

قال الخليل: أن الرجل يسأل عن المسألة، ويعجل في الجواب فيصيب فأذمه، ويسأل عن المسألة فيتثبت في الجواب فيخطئ فأحمده. قال الخطيب، والعمري: قل من حرص على الفتوى، أو سابق إليها أو ثار إليها، إلا قل توفيقه واضطرب في أمره، وإذا كان كارهاً لذلك غير مختار له ما وجد عند مندوحة، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره؛ كانت المعونة فيه من الله أكثر، والصلاح في فتياه وجوابه أغلب.

قال بشر الحافي: من أحب أن يسأل؛ فليس بأهل أن يسأل. وكان الحسن ليس عليه شيء أشد من الفتيا، وقال تارة: ما ابتلي أحد بمثل ما ابتليت به، أفتيت اليوم في عشر مسائل. ورأى رجل ربيعة يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: أستفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم، وقال لبعض: من يفتي ههنا؛ أحق بالسجن من السراق.

قلت: فكيف لو رأى زمننا، وإقدام من لا علم عنده على الفتيا، مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015