وَأَنَّ عَلَى الْعِبَادِ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ.
، وَأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٌ لَأَفْلَتَ مِنْهَا هَذَا الصَّبِيُّ» . وَوَرَدَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ أُمَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ بِهِ يَسْلَمَانِ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» .
1 -
الثَّالِثُ: مِنْ نَعِيمِ الْقَبْرِ وَتَوْسِيعِهِ وَجَعْلِ قِنْدِيلَ فِيهِ وَفَتْحِ طَاقَةٍ فِيهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِمْلَائِهِ خَضِرًا أَيْ نَعِيمًا وَجَعْلِهِ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَكُلُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يَخْتَصُّ نَعِيمُ الْقَبْرِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا بِالْمُكَلَّفِينَ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ، وَقَوْلُ الْمَلَكِ: نَمْ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ النَّعِيمِ خَاصٌّ بِالطَّائِعِ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الْمَغْفِرَةَ يَوْمَ الدِّينِ.
الرَّابِعُ: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْخَوْضِ فِي حَقِيقَةِ الرُّوحِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْخَوْضِ فِي حَقِيقَتِهَا بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَلَا يَنْبَغِي لَنَا التَّكَلُّمُ فِيهَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ لِعِلْمِ الْعَبْدِ عَجْزَ نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ مَا احْتَوَى عَلَيْهِ جَسَدُهُ وَبَيْنَ جَنْبَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] أَيْ مِمَّا انْفَرَدَ بِعِلْمِهِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ كَمَا عَلَيْهِ جَمْعٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ حَتَّى أَطْلَعَهُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا أَخْفَاهُ كَالسَّاعَةِ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِكَتْمِهِ، كَمَا اُخْتُلِفَ فِي مَقَرِّهَا مِنْ الشَّخْصِ حَالَ الْحَيَاةِ، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْجَزْمِ بِكَوْنِهَا فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ. كَمَا أَنَّ الصَّوَابَ مُرَادَفَةُ الرُّوحِ لِلنَّفْسِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: النَّفْسُ جَسَدٌ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَالرُّوحُ النَّفَسُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الْإِنْسَانِ، وَكَمَا اُخْتُلِفَ فِي تَعَدُّدِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَخَالَفَ الْعِزُّ وَادَّعَى أَنَّ فِي كُلِّ جَسَدٍ رُوحَيْنِ: رُوحَ الْحَيَاةِ وَهِيَ الَّتِي إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْجَسَدِ مَاتَ، وَرُوحَ الْيَقَظَةِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ صَاحِبُ الْجَسَدِ بِبَقَائِهَا مُسْتَيْقِظًا وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَامَ.
الْخَامِسُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ الرُّوحِ مِنْ الْجَسَدِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَمَّا مَقَرُّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقِيَامَةِ فَمُخْتَلَفٌ، فَمَقَرُّ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْجَنَّةُ وَمَقَرُّ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، وَمَقَرُّ أَرْوَاحِ غَيْرِهِمَا الْبَرْزَخُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُ زَمَانٌ وَحَالٌ وَمَكَانٌ، فَزَمَانُهُ فِي حِينِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحَالُهُ الْأَرْوَاحُ وَمَكَانُهُ مِنْ الْقَبْرِ إلَى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَلَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بَلْ هِيَ فِي سِجِّينٍ مَسْجُونَةً وَبِلَعْنَةِ اللَّهِ فِيهِ مَوْصُوفَةٌ، وَالْمُرَادُ بِسِجِّينٍ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى، وَقِيلَ: أَرْوَاحُ السُّعَدَاءِ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ لَكِنْ لَا عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ تَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ رُوحٍ بِجَسَدِهَا اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ لِيَحِلَّ لَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَالتَّعْذِيبِ مَا كُتِبَ لَهَا، وَبِقَوْلِنَا لَهَا اتِّصَالٌ يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا فِي عِلِّيِّينَ، وَيَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَالِ مَا وَرَدَ: «أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى قَبْرِ شَخْصٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَعْرِفُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ» .
1 -
السَّادِسُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ مُحْدَثَةٌ خِلَافًا لِلزَّنَادِقَةِ، نَعَمْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي خَلْقِهَا قَبْلَ الْجَسَدِ وَتَأَخُّرِهَا عَنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَقِيلَ خُلِقَتْ قَبْلَهُ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَقِيلَ بَعْدَهُ؛ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] قِيلَ: إنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ نَفْخِ الرُّوحِ وَخَلْقِهِ فَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى التَّأْخِيرِ.
1 -
السَّابِعُ: وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي فَنَائِهَا عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَا تَفْنَى كَمَا لَا يَفْنَى عَجْبُ الذَّنَبِ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ (أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ) أَيْ يُمْتَحَنُونَ وَيُخْتَبَرُونَ (فِي قُبُورِهِمْ وَ) مَعْنَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ (يُسْأَلُونَ) لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَنَكِيرٌ بِكَسْرِهَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَوَّبَتْهَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَكْرِمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِتَثْبِيتِهِمْ وَهَتْكًا لِسِتْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي الْبَرْزَخِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْعَثُوا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] وَهُوَ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَّتَهُمْ لَا يَزُولُونَ إذَا فُتِنُوا فِي دِينِهِمْ (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَفِي الْآخِرَةِ) عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَإِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَلَا يَتَلَعْثَمُونَ إذَا سُئِلُوا عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ وَلَا مَفْهُومَ لِلْمَقْبُورِ بَلْ كُلُّ مَيِّتٍ يُسْأَلُ قُبِرَ أَوْ لَمْ