النَّجَاةِ عَلَيْهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ فِيهَا أَعْمَالُهُمْ.

وَالْإِيمَانُ بِحَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَرِدُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ صَدْرِهِ وَتَخْرُجُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ وَتَكُونُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ شِمَالَهُ تُجْعَلُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِهَا.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ إنَّمَا قُلْنَا: الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ حِسَابَهُمْ لِإِخْرَاجِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ صُحُفًا وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ، نَعَمْ ظَاهِرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَخْذِ الصُّحُفِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَعَدَمُ اخْتِصَاصِهِ أَيْضًا بِالْإِنْسِ بَلْ الْجِنُّ كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ.

الثَّانِي: أَوَّلُ مَنْ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ مُطْلَقًا وَلَهُ شُعَاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: هَيْهَاتَ زَفَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إلَى الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَبَعْدَهُ أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَخُوهُ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَتَأَمَّلْ هَذَا الْعَجَبَ فِي هَذَيْنِ الْأَخَوَيْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَيْسَ مِنْ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

الثَّالِثُ: ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ حَقِيقِيَّةٌ وَقِيلَ مَجَازِيَّةٌ عَبَّرَ بِهَا عَنْ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَلَفْظُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يَقْرَأُ كُلُّ إنْسَانٍ كِتَابَهُ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَالْحِسَابِ وَالْوَزْنِ. شَرَعَ فِي الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ) أَيْ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ الْجَزْمُ بِحَقِيقَتِهِ وُجُودُ الصِّرَاطِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَرِدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ حَتَّى مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِالصَّادِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى نِزَاعٍ فِي إخْلَاصِهَا وَمُضَارَعَتِهَا بَيْنَ الصَّادِ وَالزَّايِ مِنْ صَرِت الشَّيْءَ بِكَسْرِ الرَّاءِ إذَا ابْتَلَعْته؛ لِأَنَّهُ يَبْتَلِعُ الْمَارَّةَ، كَمَا أَنَّ الطَّرِيقَ كَذَلِكَ وَحَقِيقَتُهُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَشَرْعًا قَالَ السَّعْدُ: هُوَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى مَتْنِ أَيْ ظَهْرِ جَهَنَّمَ أَرَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ، دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس: 66] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يُنْصَبُ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُهُ أَنَا وَأُمَّتِي» . (تَجُوزُهُ الْعِبَادُ) جَمِيعًا لَكِنَّ جَوَازَهُمْ عَلَيْهِ مُخْتَلِفٌ إذْ هُوَ (بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ) الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَلْ فِي الْعِبَادِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَشْمَلُ مَنْ يُحَاسَبُ وَمَنْ لَمْ يُحَاسَبْ كَالسَّبْعِينَ أَلْفًا وَنَازَعَ بَعْضٌ فِي الْكُفَّارِ قَائِلًا: لَا يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَحَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى أَثْنَاءِ الْمُرُورِ لَا عَلَى ابْتِدَائِهِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْكَافِرِ. (فَنَاجُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُرْعَةِ النَّجَاةِ عَلَيْهِ) وَالْمَعْنَى: فَقَوْمٌ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ نَاجُونَ (مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) أَيْ مِنْ السُّقُوطِ فِيهَا وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ إذْ هِيَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَالصِّرَاطُ عَلَى ظَهْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى جَهَنَّمَ، وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ حِينَئِذٍ إلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلُ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ تَخْتَطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَفِي الْحَدِيثِ: «يَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَمِنْهُمْ الْمَاشِي وَمِنْهُمْ الْحَابِي» . (وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ) أَيْ أَوْقَعَتْهُمْ (فِيهَا) أَيْ فِي جَهَنَّمَ (أَعْمَالُهُمْ) وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ وَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ الْكَافِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ وَيَمْكُثُ فِيهَا مُدَّةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا كَعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى خُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ لِيَجُوزُوا عَلَيْهِ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ يُزَالُ ثُمَّ يُعَادُ لَهُمْ أَوْ لَا يُعَادُ أَوْ تَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إلَى السُّورِ الَّذِي هُوَ الْأَعْرَافُ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَرَقُّ أَوْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى الصَّوَابِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ فِي قَوْلِهِ الصَّحِيحِ: إنَّهُ عَرِيضٌ، وَخِلَافًا لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ لِوُجُوبِ حَمْلِ النُّصُوصِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا إلَّا مَا خَالَفَ الْقَوَاطِعَ، وَالْعُبُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ وَرَفْعِ السَّمَاءِ بِغَيْرِ عَمَدٍ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الصَّوَابِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ فِيهِ كَلَالِيبَ تَأْخُذُ مَنْ أُمِرَتْ بِأَخْذِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ أَرَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.

الثَّانِي: إنَّمَا قَيَّدْنَا وُجُودَ الصِّرَاطِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى خِلَافٌ فِي وُجُودِهِ الْآنَ وَعَدَمِ وُجُودِهِ، كَمَا جَرَى خِلَافٌ فِيمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015