وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَفَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ.

، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ، نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَحِيحٌ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمَا وَآمَنَا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ أَبَا إبْرَاهِيمَ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ نَاجُونَ فَيَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ أَبَوَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاجِيَانِ وَلَيْسَا فِي النَّارِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَدُخُولُ الْجَنَّةِ لَا يُنَالُ بِعَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ، وَالنَّارُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ عِصْيَانُهُ، وَأَيْضًا أَطْبَقَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا لَا عِقَابَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكَبَائِرِ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ شَاءَ عُقُوبَتَهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ قَالَ: (وَمَنْ عَاقَبَهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (بِنَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِإِيمَانِهِ فَأَدْخَلَهُ بِهِ جَنَّتَهُ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنَّ اللَّهَ إذَا أَدْخَلَ الْمُؤْمِنَ النَّارَ لِعِصْيَانِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهَا بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَيَجْعَلَ قَرَارَهُ الْجَنَّةَ، وَالنَّارُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُحْرِقٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ لَا بِقُوَّةٍ وَلَا بِطَبِيعَةٍ.

وَإِضَافَتُهَا إلَى الضَّمِيرِ مِنْ إضَافَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْخَالِقِ، وَخَصَّ الْعِقَابَ بِهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ عِقَابُهُ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْعِقَابَ بِهَا أَعْظَمُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِقَابَ أَهْلِ النَّارِ مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْمَعَاصِي، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ لَحْظَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ سَاعَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ يَوْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَهُوَ آخِرُ مَنْ يَبْقَى فِي النَّارِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ هَنَّادٌ وَقِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ، وَالْجَنَّةُ فِي اللُّغَةِ الْبُسْتَانُ.

وَفِي الشَّرْعِ هِيَ دَارُ الثَّوَابِ وَيُقَالُ لَهَا الدَّارُ الْآخِرَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْإِيمَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ، قِيلَ: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» . فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: السَّبَبُ إيمَانُهُ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَوْ نَقُولَ: الْإِيمَانُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ عَمَلٍ إلَّا عَلَى جِهَةِ النُّدُورِ، وَالْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَى أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْبَاءَ فِي إيمَانِهِ لِلْبَدَلِ أَيْ بَدَلَ إيمَانِهِ، وَهَذَا لَا يُفِيدُ كَوْنَ الْإِيمَانِ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ» وَهَذَا نَحْوُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْمَعْنَى عَنْ مُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِي وَقْفَةٌ فِي هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَعْنَاهُ الْعِوَضُ وَهُوَ مُنَافٍ لِكَوْنِ الدُّخُولِ بِمَحْضِ الْفَضْلِ فَلَعَلَّ الصَّوَابَ جَعْلُ الْبَاءِ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا ذَكَرَ الْإِيمَانَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ دُخُولِ الْكَافِرِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ عَاقَبَهُ بِنَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا فَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مَنْ عَامٌّ فَلَمَّا زَادَ لَفْظَ بِإِيمَانِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ مِنْ النَّارِ إنَّمَا هُوَ الْمُؤْمِنُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كُلُّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَحَلِّهِمَا وَأَنْوَاعِهِمَا، الثَّانِي: الضَّمَائِرُ الْمُسْتَتِرَةُ فِي عَاقَبَ وَأَخْرَجَ وَأَدْخَلَ عَائِدَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الضَّمَائِرُ الْمَنْصُوبَةُ وَالْمَجْرُورَةُ بِإِيمَانٍ فَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَى مَنْ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ وَمَعْنَاهَا مُخْتَلِفٌ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى خُرُوجِ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّارِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) شَرْطِيَّةٌ وَشَرْطُهَا (يَعْمَلْ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِقَلْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ (مِثْقَالَ) أَيْ زِنَةَ (ذَرَّةٍ خَيْرًا) أَيْ مِنْ خَيْرٍ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْخَيْرُ كُلُّ مَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ شَرْعًا، وَالشَّرُّ عَكْسُهُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ (يَرَهُ) أَيْ يَرَ جَزَاءَهُ وَالْإِيمَانُ عَمَلُ خَيْرٍ وَعَدَ اللَّهُ بِجَزَائِهِ وَوَعْدُهُ حَقٌّ لَا بُدَّ مِنْ إنْجَازِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَزَاءَ الْخَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ فِي دَارِ الْجَزَاءِ وَهِيَ الْجَنَّةُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ لِمَنْ دَخَلَهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى جَزَاءُ الْخَيْرِ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] .

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَيَّدْنَا بِالْمُؤْمِنِينَ لِيَتِمَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ مِنْ النَّارِ بَلْ وَلَا دُخُولُهُ جَنَّةً، وَمَا عَمِلَهُ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ فَقِيلَ يُجَازَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِالتَّنْعِيمِ وَمُعَافَاةِ الْبَدَنِ وَكَثْرَةِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ فِي دَارِ الْعَذَابِ بِتَخْفِيفِ عَذَابِ غَيْرِ الْكُفْرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ بِدَلِيلِ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] الْآيَةُ، وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَمُخَاطَبُونَ بِهِ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: لَا يُجَازَى مِنْهُمْ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015