. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَسْخِهَا فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَتَكْلِيفِهِ بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَصْلًا وَفَرْعًا، فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ وَحْيٌ وَلَا نَصْبُ أَحْكَامٍ، بَلْ يَنْزِلُ خِلْفَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَاكِمًا مِنْ حُكَّامِ مِلَّتِهِ بَيْنَ أُمَّتِهِ بِمَا عَلِمَهُ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ مِنْ شَرِيعَتِهِ كَمَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَصِّرُ عَنْ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُؤَدِّي إلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَيَّامَ مُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، فَكَسْرُهُ لِلصَّلِيبِ وَعَدَمُ قَبُولِهِ الْجِزْيَةَ مِنْ شَرِيعَتِنَا لَا نَسْخَ لَهَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَشْرُوعِيَّةِ جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ نُزُولُ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالرِّسَالَةُ فِعَالَةٌ مِنْ أَرْسَلَ وَهِيَ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ بِخِطَابِ التَّبْلِيغِ، وَالنِّذَارَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ التَّخْوِيفُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّبُوَّةُ مِنْ النَّبَأِ وَهُوَ الْخَبَرُ، أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الرِّفْعَةُ وَالْعُلُوُّ، وَشَرْعًا إيحَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِإِنْسَانٍ عَاقِلٍ حُرٍّ ذَكَرٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ تَكْلِيفِيٍّ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ أَمْ لَا فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الرِّسَالَةِ، وَمَنْ قَالَ إنْ النُّبُوَّةَ مُجَرَّدُ الْوَحْيِ وَمُكَالَمَةُ الْمَلَكِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَلَّمَتْ نَحْوَ مَرْيَمَ وَأُمَّ مُوسَى وَالْأُنْثَى لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَ الرِّسَالَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ لِمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَكْسَ ذَلِكَ، وَقَدَّمَ النِّذَارَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ الرِّسَالَةِ.

تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النِّذَارَةِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْبِشَارَةِ كَمَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ: {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] قَالَ الْحَطَّابُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّذَارَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُبَاشَرَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَنْذَرَك بِالْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَقَدْ بَشَّرَك بِالسَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ التَّرْكِ لِذَلِكَ الشَّيْءِ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ مُرَاعَاةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْهَا إلَّا الْبِشَارَةُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ» .

الثَّانِي: لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خَتْمِ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَخَصُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خَتْمِ الْأَخَصِّ خَتْمُ الْأَعَمِّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَمَا قِيلَ خِلَافُ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ الثَّالِثُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ فَضْلَ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ هِدَايَةُ الْأُمَّةِ فَنَفْعُهَا مُتَعَدٍّ وَالنُّبُوَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَهُمَا كَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ، خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا عِنْدَ اتِّحَادِ مَحَلِّهِمَا، وَأَمَّا رِسَالَةُ رَسُولٍ مَعَ نُبُوَّةِ آخَرَ فَلَا خِلَافَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ وَحْدَهَا ضَرُورَةَ جَمْعِ الرِّسَالَةِ لَهَا مَعَ زِيَادَةٍ الرَّابِعُ: وَقَعَ التَّرَدُّدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي نُبُوَّةِ النَّبِيِّ مَعَ وِلَايَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ نُبُوَّتَهُ عَلَى وِلَايَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ بِخِلَافِ وِلَايَةِ وَلِيٍّ وَنُبُوَّةِ آخَرَ، فَلَا شَكَّ فِي أَفْضَلِيَّةِ النُّبُوَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ.

قَالَ صَاحِبُ الْإِسْعَادِ: لَا يَصِلُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ دَرَجَةَ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ أَعْلَى دَرَجَاتِ أَعْظَمِ الْأَوْلِيَاءِ دُونَ دَرَجَاتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ ثُمَّ فَسَّرَ خَتْمَ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: (فَجَعَلَهُ) أَيْ صَيَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا (آخِرَ الْمُرْسَلِينَ) حَالَ كَوْنِهِ (بَشِيرًا) أَيْ مُخْبِرًا لِلطَّائِعِينَ بِالْخَيْرِ.

(وَ) حَالَ كَوْنِهِ (نَذِيرًا) أَيْ مُخَوِّفًا لِلْعَاصِينَ بِالْعَذَابِ، وَالْبِشَارَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ لِلْخَيْرِ وَإِنْ قُيِّدَتْ جَازَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرِّ.

قَالَ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ مُطْلَقُ التَّغَيُّرُ وَالتَّأَثُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُبَشَّرَ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ وَالْمُنْذَرَ يَصْفَرُّ وَجْهُهُ.

تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: فِي كَلَامِهِ هُنَا حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ وَالنُّبُوَّةُ تَقْدِيرُهُ وَجَعَلَهُ أَيْضًا آخِرَ النَّبِيِّينَ، وَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَنْ الْآخَرِ نَحْوُ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: 197] فَإِنَّ التَّقْدِيرَ أَوْ شَرٍّ، وَنَحْوُ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أَيْ وَالْبَرْدَ. الثَّانِي: جَعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِرَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي خَصَّهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ أُمَّتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلُ الْأُمَمِ أَيْ أَكْثَرُهَا ثَوَابًا وَمَفَاخِرَ وَمَنَاقِبَ، وَمِنْهَا أَنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الْأُمَمِ حَتَّى لَا يَطُولَ مُكْثُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ، وَمِنْهَا كَوْنُهُ شَهِيدًا عَلَى الْخَلْقِ، وَمِنْهَا تَكْلِيمُهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَمِنْهَا عُرُوجُهُ بِهِ حَتَّى سَمِعَ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَمِنْهَا انْزِوَاءُ الْأَرْضِ لَهُ حَتَّى اطَّلَعَ عَلَى مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا، وَمِنْهَا إعْطَاؤُهُ كَنْزَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْهَا نُصْرَتُهُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَمِنْهَا جَعْلُ الْأَرْضِ لَهُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَمِنْهَا إحْلَالُ الْغَنَائِمِ لَهُ، وَمِنْهَا كَوْنُهُ أَوَّلَ شَافِعٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ.

(وَ) مِنْهَا أَنْ جَعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ (دَاعِيًا) جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْكَلِمِ (إلَى) فِعْلِ مَا يُقَرِّبُ إلَى (اللَّهِ) مِنْ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ إنَّمَا كَانَ يُرْسَلُ إلَى قَوْمِهِ وَلَمْ يُرْسَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى الْجِنِّ، فَضْلًا عَنْ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُ أُرْسِلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015