. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْفَظْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ سِوَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَتَبَهُ النَّاسُ فِي صُحُفٍ وَجَرِيدٍ وَخِرَقٍ وَأَقْتَابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمَّا حَصَلَ الْقَتْلُ فِي أَهْلِ الْيَمَامَةِ قُتِلَ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ وَيَجْمَعَهُ، فَقَالَ زَيْدٌ: وَاَللَّهِ لَوْ كَلَّفَانِي بِنَقْلِ جَبَلٍ لَنَقَلْته وَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَانِي بِهِ فَجَمَعَ الْقُرْآنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْقُرَّاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَكُلُّهُمْ أَخَذُوا الْقُرْآنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ. وَالْمُفَسِّرُونَ لِلْقُرْآنِ خَمْسَةٌ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّفْسِيرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَالْجَمِيعُ أَخَذُوا التَّفْسِيرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الثَّالِثُ: كَلَامُ اللَّهِ مُتَّحِدٌ وَاخْتِلَافُ أَسْمَائِهِ بِاخْتِلَافِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ عَلَى بَعْضِ الرُّسُلِ، فَالنَّازِلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَبَّرَ عَنْهُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَيُسَمَّى قُرْآنًا وَفُرْقَانًا وَذِكْرًا، وَالنَّازِلُ عَلَى مُوسَى عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ لُغَتُهُ فَيُسَمَّى تَوْرَاةً، وَالنَّازِلُ عَلَى عِيسَى عَبَّرَ عَنْهُ بِلُغَتِهِ وَيُسَمَّى إنْجِيلًا، وَالنَّازِلُ عَلَى دَاوُد وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلُغَتِهِ يُسَمَّى زَبُورًا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ، وَاخْتِلَافُ الِاسْمِ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَةِ وَالتَّفَاصِيلِ بِاعْتِبَارِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَيُوصَفُ بِالْخَيْرِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صِفَةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِطَلَبِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَمْرًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ فِعْلِهِ تَكُونُ نَهْيًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْإِعْلَامِ تَكُونُ خَبَرًا وَهَكَذَا، فَكَلَامُهُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا تَعَلُّقَانِ.

الرَّابِعُ: اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ وُصُولِهِ إلَى جِبْرِيلَ وَمِنْهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِمَ الْكَلَامَ مِنْ الْعُلُوِّ وَأَدَّاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ نَقَلَ ذَلِكَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَنَزَلَ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ الْمُكَرَّمُونَ تَلَقَّنَتْهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَقَّنَتْهُ لِجِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَقَّنَهُ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِشْرِينَ سَنَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَهِيَ النُّجُومُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلَفْظِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَعْنَى فَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ عَبَّرَ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ، وَقِيلَ: أَلْقَى جِبْرِيلُ الْمَعْنَى عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَّرَ عَنْهُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ النَّازِلَ فِيهِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ: قِيلَ اللَّفْظُ وَقِيلَ الْمَعْنَى، وَعَلَى الثَّانِي اخْتَلَفَ فِي الْمُعَبِّرِ هَلْ جِبْرِيلُ أَوْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ الْخَامِسُ: قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ مُرَادًا بِهِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ مَقَامِ الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِي أَوْ نُطْقِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، فَمَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

السَّادِسُ: هَلْ يَقَعُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ سُوَرِ الْقُرْآنِ أَوْ لَا؟ ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَالْبَاقِلَّانِيّ إلَى عَدَمِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَبَيْنَ آيَاتِهِ، وَالْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالتَّفْضِيلِ إنْ صَحَّتْ تُحْمَلُ عَلَى زِيَادَةِ الْأَجْرِ وَكَثْرَةِ النَّفْعِ.

السَّابِعُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ فِي زَمَانِنَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ مُحْدَثَةٌ وَمَدْلُولَهَا قَدِيمٌ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّ مَدْلُولَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ قِسْمَانِ: مُفْرَدٌ وَهُوَ قِسْمَانِ: أَيْضًا مَا يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَصِفَاتِهِ كَمَدْلُولِ اللَّهِ وَالسَّمِيعِ الْبَصِيرِ وَهَذَا قَدِيمٌ، وَمَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى ذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ وَهُوَ مُحْدَثٌ كَمَدْلُولِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ. وَإِسْنَادَاتٌ وَهِيَ قِسْمَانِ أَيْضًا: حِكَايَاتٌ وَإِنْشَاءَاتٌ، فَالْإِسْنَادَاتُ الَّتِي هِيَ الْإِنْشَاءَاتُ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْلُولَةً لِلَفْظِ الْخَبَرِ أَوْ لِلَفْظِ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ إذْ هِيَ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَهِيَ نَفْسُهَا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ، وَتَعَدُّدُهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ تَعَلُّقَاتِهَا، وَالْمَدْلُولَاتُ الَّتِي هِيَ حِكَايَاتٌ قِسْمَانِ: حِكَايَةٌ عَنْ اللَّهِ وَحِكَايَةٌ عَنْ غَيْرِهِ، فَالْأَوَّلُ نَحْوُ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] فَالْحِكَايَةُ وَالْمَحْكِيُّ فِي هَذَا قَدِيمَانِ أَيْ الْإِسْنَادُ الْوَاقِعُ فِيهِمَا قَدِيمٌ، وَالثَّانِي نَحْوُ قَوْلِهِ: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ} [نوح: 21] الْآيَةُ، وَالْحِكَايَةُ فِي هَذَا قَدِيمَةٌ أَيْ الْإِسْنَادُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015