مُوسَى بِكَلَامِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ، لَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَصَارَ دَكًّا مِنْ جَلَالِهِ.
، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَارِجِيِّ وَإِنَّمَا هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: شَرِيكُ الْبَارِي مَعْدُومٌ فَإِنَّ الْعَدَمَ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّرِيكِ وَلَيْسَ صِفَةً لَهُ إذْ لَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَكَانَ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ فَهُوَ مَوْجُودٌ.
(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: الصِّفَاتُ عِنْدَ مَنْ يُثْبِتُ الْأَحْوَالَ أَرْبَعٌ: نَفْسِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَمَعَانٍ وَمَعْنَوِيَّةٌ. فَالنَّفْسِيَّةُ كَالْوُجُودِ وَحَقِيقَتُهَا الْحَالُ الْوَاجِبَةُ لِلذَّاتِ مَا دَامَتْ الذَّاتُ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ بِعِلَةٍ، بِخِلَافِ الْحَالِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَكَوْنِ الذَّاتِ عَالِمَةً وَقَادِرَةً وَمُرِيدَةً فَإِنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِقِيَامِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ بِالذَّاتِ. وَالسَّلْبِيَّةُ وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى نَفْيِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ وَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ وَالْوَحْدَانِيَّة. وَصِفَاتُ الْمَعَانِي وَهِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِالذَّاتِ زَائِدٍ عَلَيْهَا وَهِيَ سَبْعٌ: الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْحَيَاةُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْإِدْرَاكَ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً. وَالْمَعْنَوِيَّةُ وَهِيَ فَرْعُ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَكَوْنِهِ قَادِرًا وَمُرِيدًا وَهِيَ قَدِيمَةٌ كَأَصْلِهَا وَضَابِطُهَا أَنَّهَا الْحَالُ الْوَاجِبَةُ لِلذَّاتِ مَا دَامَتْ الذَّاتُ مُعَلَّلَةً بِعِلَةٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً عَلَى صِفَاتِ الْمَعَانِي لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا حَالَ، وَالشَّيْءُ إمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا غَيْرُ مَوْجُودٍ خِلَافًا لِمَنْ أَثْبَتَ الْحَالَ وَهُوَ كَوْنُ الشَّيْءِ لَا مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا، وَإِنَّمَا يَذْكُرُهَا الْقَوْمُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِيَامِ صِفَةِ الْمَعْنَى بِالذَّاتِ لَا أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَيْهَا
الثَّانِيَةُ: الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْ الصِّفَاتِ كُلُّ مَا اقْتَضَى أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الذَّاتِ، وَذَلِكَ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالسَّمْعِ وَبَقِيَّةِ صِفَاتِ الْمَعَانِي سِوَى الْحَيَاةِ، فَالْقُدْرَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ تُوجِدُهُ أَوْ تُعْدِمُهُ، وَالْإِرَادَةُ تَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْصِيصِ، وَالْعِلْمُ وَالْكَلَامُ يَتَعَلَّقَانِ بِسَائِرِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا قَدِيمًا، لَكِنَّ تَعَلُّقَ الْعِلْمِ تَعَلُّقُ إحَاطَةٍ، وَتَعَلُّقَ الْكَلَامِ تَعَلُّقُ دَلَالَةٍ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ يَتَعَلَّقَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَقِيلَ: السَّمْعُ بِالْمُسْمَعِ وَالْبَصِيرُ بِالْمُبْصَرِ فَقَطْ، وَالْإِدْرَاكُ بِالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَذُوقَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ، وَالْحَيَاةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الذَّاتِ وَإِنَّمَا تُصَحِّحُ لِلذَّاتِ الِاتِّصَافَ بِالْعِلْمِ فَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ، وَمِثْلُهَا فِي عَدَمِ التَّعَلُّقِ صِفَاتُ السُّلُوبِ.
الثَّالِثَةُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ صِفَاتِ الْمَعَانِي وَفُرُوعَهَا قَدِيمَةٌ، وَصِفَاتِ الْأَفْعَالِ حَادِثَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْأَشَاعِرَةِ، وَأَمَّا صِفَاتُ السُّلُوبِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّف قِدَمُهَا أَيْضًا وَلِذَلِكَ قَالَ السُّكْتَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَجِبُ الْقِدَمُ لِأَوْصَافِهِ التَّنْزِيهِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لَهُ تَعَالَى كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ وَمَا مَعَهُمَا مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ أَوْ لَا؟ قُلْت: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْقِدَمَ مَثَلًا أَمْرٌ يَجِبُ لَهُ عَقْلًا. فَلَا يَصِحُّ سَلْبُهُ عَنْهُ بِحَالٍ لَا فِي الْأَزَلِ وَلَا فِيمَا لَا يَزَالُ، وَعَلَيْهِ فَقِسْ بَقِيَّةَ صِفَاتِ السُّلُوبِ.
الرَّابِعَةُ: كَثْرَةُ السُّؤَالِ عَنْ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، وَالْمَعْنَى: هَلْ هِيَ مُتَّحِدَةٌ أَوْ مُتَغَايِرَةٌ؟ وَهَلْ الْمَعْبُودُ الِاسْمُ أَوْ الْمُسَمَّى أَوْ الْمَعْنَى؟ وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ أَنْ تَقُولَ: اسْمُ الْبَارِي عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ دَالٌ عَلَى مُجَرَّدِ الذَّاتِ فَقَطْ كَلَفْظِ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَزَيْدٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الذَّاتِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ أَوْصَافًا لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، فَهُنَا الِاسْمُ الْحُرُوفُ وَالْمُسَمَّى الذَّاتُ الْعَلِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي تُعْبَدُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْمَعْنَى لَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاللَّفْظُ لَا يُعْبَدُ، فَحِينَئِذٍ الْحَدُّ الْمُسَمَّى وَالْمَعْنَى مَا صَدَقَا وَإِنْ اخْتَلَفَا بِالِاعْتِبَارِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ مُسَمًّى وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ بِاللَّفْظِ مَعْنًى. وَقِسْمٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ مَعَ الصِّفَةِ.
وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ الصِّفَةِ فَإِذَا قُلْت: عَالِمٌ قَصْدُك الصِّفَةَ لَا الذَّاتَ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِشْعَارِ اللَّفْظِ بِهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً فَهُنَا الِاسْمُ عَالِمٌ أَعْنِي حَرْفَهُ وَالْمُسَمَّى الذَّاتُ وَالْمَعْنَى الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ، فَلَيْسَ الْمَعْبُودُ الِاسْمَ وَلَا الْمَعْنَى وَإِنَّمَا الْمَعْبُودُ الْمُسَمَّى، هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ تَعَالَى صِفَةُ الْكَلَامِ، وَكَانَ تَصَوُّرُهُ مِنْهُ خَفِيًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ لَنَا أَنَّهُ بِآلَةٍ وَصَوْتٍ وَهُمَا مُسْتَحِيلَانِ فِي حَقِّهِ، نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ الْكَلَامِ فِيهَا حَتَّى سُمِّيَ هَذَا الْفَنُّ بِهَا فَقِيلَ عِلْمُ الْكَلَامِ فَقَالَ (كَلَّمَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ وَرَسُولَهُ (مُوسَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (بِكَلَامِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا) هُوَ (خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ) وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُنَافِيَةٌ لِلسُّكُوتِ وَالْآفَةِ هُوَ بِهَا آمِرٌ نَاهٍ مُخْبِرٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْعِبَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ. وَالدَّالُّ يُسَمَّى قُرْآنًا وَتَوْرَاةً وَزَبُورًا بِاعْتِبَارِ النَّازِلِ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ رَبُّهُ وَسَمِعَ كَلَامَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِلَا وَاسِطَةٍ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ أَرْبَابِ الْمِلَلِ وَالْمَذَاهِبِ قَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وَإِنَّمَا