الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ مَخْلُوقَةً وَأَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً، كَلَّمَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْرِفَتَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ إلَى اللَّهِ، وَأَمَّا طَرِيقُ الْخَلَفِ فَهِيَ أَحْكُمُ بِمَعْنَى أَكْثَرُ إحْكَامًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إثْبَاتًا لِمَا فِيهَا مِنْ إزَالَةِ الشُّبَهِ عَنْ الْأَفْهَامِ، وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِأَعْلَمَ بَدَلَ أَحْكَمَ بِمَعْنَى أَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِبَيَانِ الْمَعْنَى التَّفْصِيلِيِّ، وَمَالَ إلَى تَرْجِيحِهَا الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ أَقْرَبُ الطَّرِيقَيْنِ إلَى الْحَقِّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَالَ مَرَّةً إلَى طَرِيقِ الْخَلَفِ وَمَرَّةً إلَى طَرِيقِ السَّلَفِ، وَهَذَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَا تَدْعُو ضَرُورَةٌ إلَى التَّأْوِيلِ، وَإِلَّا اتَّفَقَ عَلَى وُجُوبِ التَّأْوِيلِ التَّفْصِيلِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ تَحْصُلَ شُبْهَةٌ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِهِ.

وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالسَّلَفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْوَقْفِ فِي الْآيَةِ هَلْ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ؟ فَمَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ عَلَى إلَّا اللَّهُ فَسَّرَ الْمُتَشَابِهَ بِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَمُدَّةِ بَقَاءِ الدُّنْيَا وَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَمَنْ قَدَّرَ الْوَقْفَ عَلَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَسَّرَ الْمُتَشَابِهَ وَأَوَّلَهُ تَأْوِيلًا تَفْصِيلِيًّا، وَجُمْلَةُ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ اسْتِئْنَافٌ مُوَضِّحٌ لِحَالِ الرَّاسِخِينَ أَوْ حَالٌ مِنْهُمْ أَوْ خَبَرٌ إنْ جَعَلْته مُبْتَدَأً.

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (عَلَى الْمُلْكِ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ (احْتَوَى) أَيْ أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَمُلْكِهِ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، فَلَا مُلْكَ وَلَا مَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ وَافْتِقَارِ كُلِّ مَا عَدَاهُ إلَيْهِ لَا رَبَّ سِوَاهُ، وَتَفْسِيرُ الْمُلْكِ بِالْمَمْلُوكِ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْمُسْتَغْنِي، وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: حَقِيقَةُ الْمُلْكِ بِالضَّمِّ تَصَرُّفُ الْمُوجِدِ فِيمَا أَوْجَدَهُ مَعَ رَبْطِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَضَبْطِهِ عَنْ الْفَسَادِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْمُلْكُ بِالضَّمِّ عِبَارَةٌ عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِالْقَضَاءِ وَالتَّدْبِيرِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ كَسْبٌ عَارٍ عَنْ الِانْتِزَاعِ أَوْ تَقُولُ هُوَ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ لَا بِنِيَابَةٍ، وَأَمَّا الْمَلَكُوتُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ بَاطِنِ الْمِلْكِ وَالْمُلْكُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الِاحْتِوَاءَ بِالْإِحَاطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، إذْ هُوَ الِاسْتِدَارَةُ بِالشَّيْءِ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى.

تَنْبِيهٌ: إنَّمَا ذَكَرَ جُمْلَتَيْ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ الْمُتَشَابِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] مِنْ أَنَّ النُّفُوسَ تَجِدُ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْهَيْبَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْلُوفَةِ لَهَا الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْظِيمِ مَا لَا تَجِدُهُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَا يَنْبَغِي الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِذَكَرِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَيْضًا أَنَّ (لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) وَالْأَسْمَاءُ جَمْعُ اسْمٍ وَهُوَ لُغَةً مَا لَهُ مُسَمًّى، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ تَعَالَى كَلَفْظِ اللَّهِ، أَوْ عَلَى الذَّاتِ مَعَ الصِّفَةِ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ، وَكُلُّهَا تُوصَفُ وَصْفًا كَاشِفًا بِالْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ وَصْفًا مَعَ إفْرَادِهِ وَجَمْعُ الْأَسْمَاءِ؛ لِأَنَّ حُسْنَى جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى إذْ هُوَ مَصْدَرٌ لِحَسُنَ حُسْنًا ضِدُّ قَبُحَ، فَإِذَا قَصَدْت الْمُبَالَغَةَ فِي الْحُسْنِ قُلْت حُسْنَى عَلَى وَزْنِ فُعْلَى وَمُذَكَّرُهُ حَسَنٌ عَلَى وَزْنِ فَعَلٌ، وَوَصْفُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْحُسْنَى بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ إذْ لَا حُسْنَ يُوَازِيهَا وَلَا جَمَالَ يُدَانِيهَا.

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَدْ اشْتَهَرَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الِاسْمِ عَيْنَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرَهُ أَوْ لَا، وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اسْمِ اللَّهِ الْمَدْلُولُ وَمِنْ مُسَمَّاهُ الذَّاتُ، فَالِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّفْظَ وَبِالْمُسَمَّى الذَّاتَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخِلَافَ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ، وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْبِسَاطِيِّ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ: الذَّاتُ هُوَ الْمُسَمَّى وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا هُوَ الِاسْمُ، فَإِذَا قُلْت: عَالِمٌ فَهُنَاكَ أَمْرَانِ ذَاتٌ وَعِلْمٌ فَالذَّاتُ هُوَ الْمُسَمَّى وَالْعِلْمُ هُوَ الِاسْمُ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْأَسْمَاءُ مِنْهَا مَا هُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُقَالُ فِيهِ عَيْنٌ وَلَا غَيْرٌ، فَالْأَوَّلُ كَمَوْجُودٍ وَقَدِيمٍ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ وَالْقَدِيمَ عَيْنُ الذَّاتِ، وَالثَّانِي مِثْلُ خَالِقٍ وَرَازِقٍ وَكُلُّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ الِاسْمَ غَيْرُ الذَّاتِ، وَالثَّالِثُ مِثْلُ الْعَالِمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ فَالْعِلْمُ مَثَلًا الَّذِي هُوَ الِاسْمُ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ عَيْنٌ وَلَا غَيْرٌ، هَذَا تَحْقِيقُ مَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ.

الثَّانِي: الَّذِي يَظْهَرُ إبْقَاءُ الْأَسْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلِهَا بِالْمُسَمَّيَاتِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالِاسْمِ لَا بِالْمُسَمَّى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] وَسَبَبُ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015