يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
، وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّفُوسَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
الثَّالِثُ: كَمَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْقُرُونِ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْفَضْلِ فِيمَا بَيْنَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِكَثْرَةِ الْمُلَازَمَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُجَاهِدَةِ مَعَهُ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ مَنْ رَآهُ وَفَارَقَهُ كَمَنْ جَاهَدَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ شَرَفُ الصُّحْبَةِ حَاصِلًا لِلْجَمِيعِ.
الرَّابِعُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا تَثْبُتُ بِهِ الصُّحْبَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَائِلًا: وَتُعْرَفُ الصُّحْبَةُ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَبِالشُّهْرَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ أَوْ بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ إذَا دَخَلَتْ دَعْوَاهُ تِلْكَ تَحْتَ الْإِمْكَانِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
(ثُمَّ) يَلِي قَرْنَ الصَّحَابَةِ فِي الْفَضْلِ أَهْلُ الْقَرْنِ (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) وَهُمْ التَّابِعِينَ جَمْعُ تَابِعِيٍّ وَهُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ وَطَالَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ حَتَّى صَارَ صَاحِبًا لَهُ عُرْفًا كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ، وَقَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ: هُوَ مَنْ لَقِيَ الصَّحَابِيَّ فَجَعَلَ الْكَلَامَ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الصَّحَابِيِّ، وَالْفَرْقُ عَلَى كَلَامِ الْخَطِيبِ مَزِيَّةُ لِقَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لِقَاءِ غَيْرِهِ مِنْ صُلَحَاءِ أُمَّتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّحَابِيِّ، وَلَا شَكَّ فِي تَفَاوُتِهِمْ فِي الْفَضْلِ وَأَفْضَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ التَّابِعِيَّاتِ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ عَلَى خِلَافٍ. (ثُمَّ) يَلِي قَرْنَ التَّابِعِينَ قَرْنُ (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) وَهُمْ تَابَعُوا التَّابِعِينَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِالتَّابِعِينَ اجْتِمَاعًا طَوِيلًا، وَالْأَصْلُ فِي التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ: «ثُمَّ يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» .
قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ: اقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَنَّ التَّابِعِينَ أَفْضَلُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ أَوْ الْأَفْرَادِ؟ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الثَّانِي، فَيَكُونُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ صَحَابِيًّا أَوْ تَابِعِيًّا وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ الْقَرْنِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ عَامِلًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَرْنِ الصَّحَابَةِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: اُخْتُلِفَ فِيمَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ هَلْ بَيْنَهُمْ تَفَاضُلٌ بِالسَّبْقِيَّةِ كَالْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّ كُلَّ قَرْنٍ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ وَإِنَّمَا يُسْرَعُ بِخِيَارِكُمْ» وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ إلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهَا عَلَى الْآخَرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْأَقْرَبُ التَّفَاضُلُ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالسَّدَادِ فِي الدِّينِ لَا بِالسَّبْقِيَّةِ فِي الزَّمَانِ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُنَا بِالسَّبْقِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ التَّفَاضُلِ بِغَيْرِ السَّبْقِيَّةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ التَّفَاوُتُ وَالتَّفَاضُلُ بِهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِلصَّحَابَةِ: أَتَدْرُونَ أَيَّ الْخَلْقِ أَفْضَلُ إيمَانًا؟ فَقِيلَ لَهُ: الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَ: بَلْ غَيْرُهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: الْأَنْبِيَاءُ، فَقَالَ: بَلْ غَيْرُهُمْ، فَقِيلَ: الشُّهَدَاءُ، فَقَالَ: بَلْ غَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَفْضَلُ الْخَلْقِ إيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْت بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ» .
وَلَمَّا رَأَى الْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُ مُعَارَضَةَ هَذَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ عَلَى سَائِرِ الْقُرُونِ قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ جِهَةِ إيمَانِهِمْ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ رُؤْيَتِهِ تَفْضِيلُهُمْ مُطْلَقًا.
الثَّانِي: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْقَرْنِ فَقِيلَ هُمْ أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلزَّمَانِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَرْنِ الْجِيلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمِائَةِ سَنَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَوْ الْمُتَعَيِّنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْقَرْنِ الْجِيلَ وَأَهْلَ الزَّمَانِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يُرَى وَإِنَّمَا الَّذِي يُرَى هُوَ أَهْلُهُ.
الثَّالِثُ: التَّفْضِيلُ بَيْنَ تِلْكَ الْقُرُونِ قَطْعِيٌّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَظَنِّيٌّ عِنْدَ الْبَاقِلَّانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَبِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى الْقَطْعِ، وَفِي الظَّاهِرِ فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ.
وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَفْضَلُ الْقُرُونِ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنَّا، شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ) الْأَرْبَعَةُ (الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وُلُّوا الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ النِّيَابَةُ عَنْهُ فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إقَامَةِ الدِّينِ وَصِيَانَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الِاتِّبَاعُ لَهُمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مُخَالَفَتُهُمْ، وَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُدَّتَهَا بِقَوْلِهِ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا عَضُوضًا» وَهَذِهِ الْمُدَّةُ هِيَ دُورُ وِلَايَتِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَالْخُلَفَاءُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ وَهُوَ كُلُّ مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي خَيْرٍ، وَسُمُّوا خُلَفَاءَ لِأَنَّهُمْ خَلَفُوا