ومما يتصل أيضًا باختلاف أسلوب الإملاء عن أسلوب التأليف -وتُلحظ آثاره في هذا الكتاب- أن المُملي قد يُلقي الكلام في صورة إشارات مختزلة سريعة، وهي إشارات مفهومة وواضحة لدى السامع المتلقِّي لها، لأن هذا السامع مستحضر لسياق الكلام (أو كما يقال: إنه يعيش مع المُملي في ذلك الجوّ الذي يُلقَى فيه الكلام) فالسامع الحاضر أمام المُملي يُدرك مراده مباشرة بدون عناء، بخلاف قارئ الكتاب الذي يأتي فيما بعدُ، فإنه بعيد عن ذلك الجوّ الذي أُلقي فيه هذا الكلام، فقد يصعب عليه فهم تلك الإشارات.
وهناك إشكالات أخرى قد تعترض القراء الكرام في أسلوب الكتاب، وصعوبة فهمه في بعض المواضع، وليست تلك الإشكالات ناتجة إلا بسبب هذا (الأسلوب الإملائي) نفسه الذي صدر عليه الكتاب من صاحبه، فلا بد أن يتنبه القارئ لهذه (الطبيعة الإملائية) في هذا الكتاب، ويستحضرها إذا ما وَجَد شيئًا من هذا القبيل في الكتاب.
ولا بأس من ضرب أمثلة لتوضيح ما سبق؛ ليأخذ القارئ فكرة عن طبيعة الكتاب قبل الدخول فيه.
أ- فمن ذلك: النص رقم 470 من كلام الشيخ ابن عبد السلام، أورده البلقيني هكذا:
(قوله (?) وأما ما يتقدم أحكامه على أسبابه فله أمثلة، فذكر تلف المبيع قبل القبض يفسخ بالتلف قبيل التلف وبقتل الخطأ كونه موجبًا للدية، وهي موروثة عنه بغير تملكها قبل الثالث إذا قال لغيره أعتق عبدك عني فأعتقه، فإنه يملكه قبيل الإعتاق الرابع إذا حكمنا بزوال ملك البائع في مدة الخيار فأعتق المشتري العبد المبيع فإنه يملكه بالإعتاق ملكًا مقدمًا على الإعتاق). انتهى.
هكذا ساق البلقيني كلام العز بن عبد السلام، وقد أحببتُ أن أَضعه أمام