وكانت مصر في عهد المماليك، تعتبر زعيمة العالم الإسلامي، إذ وقفت دون موجه التتار، التي اكتسحت شرق هذا العالم حتى الشام، كما وقفت دون موجة الصليبيين وردتهم عن بلاد الإسلام، وقد انتقل إليها الخليفة العباسي، وفي هذا الانتقال ما يرمز إلى أهميتها في تلك العصور، إذ أصبحت موئل الإسلام من طرف، كما أصبحت موئل العلم والأدب من طرف آخر، فقد هاجر إليها العلماء، والأدباء من كل صوب، حتى ينعموا بما فيها من حياة آمنة مرفهة، ويظهر أن مصر كانت على جانب عظيم من الرخا، واليسر في هذا العصر المملوكي، ولذلك كثرت فيها العمارة، حتى قالوا: إنه "بني في أيام الملك الظاهر ما لم يبن في أيام الخلفاء المصريين، ولا ملوك بني أيوب من الأبنية والرباع والخانات، والقواسير والدور والمساجد والحمامات"1، وكذلك اشتهر عصر

الناصر بن قلاوون بكثرة العمائر في مصر والشام، وفي هذا ما يدل -من بعض الوجوه- على ثروة مصر في هذا الحين، ولعل مما يدل على ذلك أيضًا ما يقال من أن الناصر حج ذات مرة، فكانت تمد له مائدة في طريقه وسط حديقة مصنوعة، وعليها الفاكهة والزهور، وكان هذا المنظر يبهر الناس في صحراء بلاد العرب، وقد قالوا: إن إحدى زوجاته أنفقت في حجها مائة ألف دينار، كما قالوا: إنه أنفق في زواج كل بنت من بناته ثمانمائة ألف دينار2، وما من ريب في أن ذلك يدل بعض الدلالة على ما بلغته في عصر المماليك، من ترف وثراء.

ولعل من الغريب أن المماليك -على الرغم من أنهم كانوا من الرقيق- عنوا بالحركة العلمية، على نحو ما صنع سادتهم من الأيوبيين، فبنوا المدارس وأغدقوا عليها الأموال، وكان أول من استن هذه السنة الظاهر بيبرس، فقد أنشأ مدرسة كبيرة هي المدرسة الظاهرية، وكان لها أربعن إيوانات لتدرس الفقه الشافعي، والحنفي وتدريس الحديث، وقراءات القرآن، كما كان بها مكتبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015