وأحس الجماد استحمادي إليك، فلا غرو قد يغص بالماء شاربه، ويقتل الدواء المستشفى به، ويؤتى الحذر من مأمنه1، وتكون منية المتمني في أمنيته، والحين قد يسبق جهد الحريص2:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون غير شماتة الحساد
وإني لأتجلد وأرى الشامتين أني لريب الدهر لا أتضعضع3، فأقول:
هل أنا إلا يد أدماها سوارها4، وجبين عضه إكليله ومشرفي ألصقه بالأرض صاقله، وسمهري عرضه على النار مثقفه، وعبد ذهب به سيده مذهب الذي يقول5:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا ... فليقس أحيانًا على من يرحم
هذا العتب محمود عواقبه، وهذه النبوة غمرة ثم تنجلي6، وهذه النكبة سحابة صيف عن قليل تقشع7، ولن يريبني من سيدي أن أبطأ سيبه، أو تأخر -غير ضنين- غناؤه، فأبطأ الدلاء فيضًا أملؤها8، وأثقل السحائب مشيًا أحفلها، وأنفع الحيا9 ما صادف جدبًا، وألذ الشراب ما أصاب غليلًا، ومع اليوم غد، ولكل أجل كتاب".
وأكبر الظن أن خصائص ابن زيدون اتضحت لنا الآن، فهو يعني عناية شديدة بحل الشعر في كلامه، كما يعني بالأمثال وحشدها، حتى لتغدو