إلى ضروب من التقعير والتمطيط والجهورة والتفخيم1.

وليس بين أيدينا نصوص وثيقة نستطيع بها أن نحكم أحكاما دقيقة على خطابتهم وصناعتهم فيها، وحقا نجد بعض خطب مبثوثة في الطبري، والأغاني

والأمالي والعقد الفريد، ولكن هذه الخطب جميعا ينبغي أن نتلقاها بشيء من الاحتراس، وخاصة ما رواه الكتاب الأخير من خطب طويلة لهم في وفودهم على كسرى وغير كسرى، فإن الانتحال ظاهر فيها، أما الخطب الأخرى، فأكبر الظن أن الرواة جمعوا بعض شظايا وقطع للقوم، وزادوا عليها من خيالهم، ومن ثم لا يصح الاستدلال بهذه الخطب جميعا على أنها تمثل الخطابة الجاهلية تمثيلا صحيحا، وهذا الجاحظ على كثرة ما روى في بيانه من خطب لم يستطع الاستشهاد للجاهليين، إلا بجمل وصيغ متفرقة لا تكون خطبة

كاملة.

ومهما يكن فنحن نؤمن بأن أكثر ما يروى من الخطابة الجاهلية لا يصح الاطمئنان إليه من الوجه التاريخية لطول المسافة بين روايته وكتابته، وإن كان ذلك لا يمنعنا من تسجيل بعض الظواهر، والخصائص لتلك الخطابة، فإن من يرجع إلى ما روي منها من كتب الأدب والتاريخ يلاحظ أن أغلب ما روي من خطب القوم روي مسجوعا، ويؤكد الجاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي روى خطبة قس بن ساعدة الإيادي في سوق عكاظ، ويقول: إنه إسناد تعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الآمال، ومع ذلك لم يستطع روايتها كاملة إنما روى أجزاء منها، هي قوله:

"أيها الناس اسمعوا وعوا. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. آيات محكمات، مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ضوء وظلام، وبر وآثام، لباس ومركب، ومطعم ومشرب، ونجوم تمور2، وبحور لا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، وليل داج، وسمات ذات أبراج، مالي أرى الناس بموتون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم حبسوا فناموا".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015