وفرشه من لباد في الشتاء، وحصيره من البردي في الصيف، وترك ما سوى ذلك"1، ويقول أبو العلاء في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة: "إن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارًا، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب، بقي لي ما لا يعجب، فاقتصرت على فول وبلسن، وما لا يعذب على الألسن"2، وكل ذلك ينقض كلام ناصر خسرو، كما ينقض ما زعمه نيكلسون من أن تلامذته الكثيرين الذين اجتذبتهم شهرته، كانوا يمدونه بشيء من المال3.
ظل أبو العلاء من عام 400هـ إلى عام 449، يأخذ نفسه بهذه الحياة الزاهدة الخشنة، على أن هذا لا يهمنا إنما يهمنا ما اتصف به من ذكاء، وثقافة كان لهما أثرهما في صناعته لنثره، أما ذكاؤه فإنهم يقولون: "إنه كان آية في الذكاء المفرط، عجبًا في الحافظة"4، ويزعمون أنه استمع إلى حديث بالأذربية5، وآخر بالفارسية فحفظهما6، ويقولون: إنه كان يحفظ المحكم والمخصص7، وإنه "لما ذهب إلى بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب، التي في خزائنها، فأدخل إليها، وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ منه جميع ما يقرأ عليه"8، ويبالغ الرواة في وصف ذكائه، فيقولون: إنه كان يلعب بالنرد والشطرنج9، وما من ريب في أن أبا العلاء كان ذكيًا ذكاء شديدًا، كما قوى الحافظة قوة شديدة أيضًا، وقد كان -إلى ذلك- مثقفًا ثقافة واسعة جدًا، ومن يرجع إلى اللزوميات، والفصول والغايات يجد أبا العلاء يستغل هذه الثقافة استغلالًا واسعا، ففي كل جانب من الكتابين إشارات إلى معتقدات عصره، ومعارفه وكل ما اتصل به من ثقافة؟. على أن هناك جانبا في هذه الثقافة، هو الذي ينبغي أن نقف عنده؛ لأنه أثر في كتبه ونثره آثارًا خاصة، وهو جانب اللغة والتثقف