الفصل الثالث: التصنع والتعقيد

1- أبو العلاء: حياته، وذكاؤه، وثقافته

هو، أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، المعروف باسم المعري والملقب بأبي العلاء، وقد ولد في "معرة النعمان" سنة ثلاثة وستين وثلثمائة1، والمعرة مدينة كبيرة بين حلب وحماة، وهو ينحدر من أسرة اشتهرت بالعلم، والشعر والقضاء، عرض ياقوت2 وابن العديم3 لهذه الأسرة، وتحدثا عن هذه الجوانب فيها، ويقول الرواة: إنه لم يبلغ الرابعة من عمره، حتى اعتل علة الجدري التي فقد فيها بصره، وقد ذكره ذلك في إحدى رسائله4، كما ذكر أنه لا يعرف من الألوان إلا الأحمر؛ لأنه ألبس في الجدري ثوبا مصبوغًا بالعصفر5.

وقد أقبل أبو العلاء منذ نشأته على التعلم، والإلمام بالمعارف المختلفة، وقد أشاد ابن العديم بهذه الناحية فيه6، ويقول القفطي: "لما كبر أبو العلاء، ووصل إلى سن الطلب أخذ العربية عن قوم من بلده كبني كوثر، أو من يجري مجراهم من أصحاب ابن خاليوه وطبقته، وقيد اللغة عن أصحاب ابن خالويه أيضًا، وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك، فرحل إلى طرابلس الشام، وكانت بها خزائن كتب قد وقفها ذوو اليسار من أهله، فاجتاز باللاذقية، ونزل دير الفاروس، وكان به راهب يشدو شيئًا من علوم الأوائل، فسمع منه أبو العلاء كلامًا من أقوال الفلاسفة حصل به شكوك، فعلق بخاطره ما حصل به بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015