إلى أن الأمثال تجري في لغة التخاطب، وأحاديث الناس اليومية العادية، وقلما نمق أصحاب هذه الأحاديث لغتهم، أو حاولوا أن يوفروا لها ضروبا من الجمال الفني البديع، ومن ثم كان كثير من الأمثال الجاهلية يخلو خلوا تاما من المهارة البيانية، وقد مر بنا أن طائفة منها تخرج على الأصول الصرفية والنحوية، ومن أجل ذلك قالوا: إنه يجوز فيها من الحذف، والضرورات ما لا يجوز في سائر الكلام1.

ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إن الأصل في الأمثال أن لا تكون مصقولة، ولا مصنوعة؛ لأنها من لغة الشعب، وقلما نمق الشعب في لغته، غير أن كثيرا ما تصدر الأمثال عن الطبقة الراقية في الأمة: طبقة الشعراء والخطباء، فتحقق لها هذه الطبقة ضروبا من عنايتها العامة بفنها، وهذا هو مصدر الاختلاط في الحكم على الأمثال، فبينما نجد أمثالًا غير مصقولة نجد أخرى تفنن أصحابها في صوغها، وإخراجها في أسلوب بيلغ على شاكلة تلك الأمثال:

أنقى من مرآة الغريبة -كالمستجير من الرمضاء2 بالنار- إن البغاث بأرضنا يستنسر3 -وراء الأكمة ما وراءها- حلب الدهر أشطره4 -يخبط خبط عشواء5- تطلب أثرا بعد عين6 -في الجريرة تشترك العشيرة7 عند الصباح يحمد القوم السري8- تحت الرغوة اللبن9 الصريح -هدنة على دخن10- حال الجريض دون القريض11 -رب صلف تحت الراعدة12- وقد يأتيك بالأخبار من لم تزود13 -استنوق الجمل14- كذى العريكوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015