لاحظنا أن بعض هذه الرسائل كان يعتمد على السجع، فكان الحجاج نفسه يسجع أحيانا كما كان يسجع بعض من يكاتبونه، ومن خير ما يصور ذلك رسالتان احتفظ بهما الجاحظ في بيانه، وهما يتبادلتان بينه، وبين قطري بن الفجاءة، وقد بنيتا على السجع الخالص1، وحقا نجد المختار الثقفي يسجع في رسائله2، ولكنه كان يبدوا شاذا بعض الشيء في هذا الاتجاه، أما في عصر الحجاج، فيظهر أن كثيرًا من الكتاب كان يبني كتابته عليه، ولعل مما يدل على ذلك أن نجد ابن الأشعث حين ثار على الحجاج، وأعد جيشا لحربه، يقول لكتابه ابن القرية: "إني أريد أن أكتب إلى الحجاج كتابا مسجعا أعرفه فيه سوء فعاله، وأبصره قبح سريرته"، ويصدع ابن القرية بأمره، ويرد عليه الحجاج برسالة مسجوعة أيضا3، وقد لا يسجع الكاتب، ولكنه لا يزال يفكر في طريقة يلفت بها القارئ والسامع، فقد حدثنا الرواة أن يزيد بن المهلب في أثناء بعض حروبه، فكر أن يكتب إلى الحجاج كتابًا، وكان يكتب له يحيى بن يعمر، وهو عربي، ومن أوائل من عنوا بوضع قواعد العربية4، فلما أمره يزيد بالكتابة إلى الحجاج، وأن يعلمه بما صنعوا في الحرب كتب إليه هذه الرسالة القصيرة5:
"إنا لقينا العدو، فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة برءوس الجبال وعرائر6 الأودية وأهضام7 الغيطان، وبتنا بعرعرة8 الجبل، وبات العدو بحضيضه".
ولما قرأ الحجاج الرسالة أعجب بها إعجابا شديدا، وأرسل إلى يحيى يطلبه على البريد، فما جاءه سأله: من أين لك هذه الفصاحة؟ وهي فصاحة