وقديمًا عهدتُني ذا هنَاتٍ ... آبياتٍ على الدنيَّاتِ شُمْسِ1
ولقد رابني نُبُوٌّ ابن عَمِّي ... بَعْدَ لينٍ من جانبيه وأُنْسِ2
وإذا ما جُفِيتُ كنتُ حريًّا ... أن أرى غير مصبح حيث أمسي
حضرتْ رحلى الهموم فوجَّهْـ ... ـتُ إلى أبيضِ المدائن عَنْسِي3
أَتَسلّى عن الحظوظ وآسَى ... لمحلّ من آل ساسان دَرْسِ4
ذكَّرتنيهم الخطوبُ التوالي ... ولقد تُذكر الخطوب وتُنْسي
وهم خافضون في ظلّ عالٍ ... مشرفٍ يحسر العيون ويخسي5
حِلَلٌ لم تكن كأطلال سُعْدَى ... في قفارٍ من البَسابس مُلْسِ6
ومساعٍ لولا المحاباة منِّي ... لم تطقها مسعاةُ عَنْسٍ وعَبْسِ7
فإنك لا شك وعيت ما في هذا الصوت من جمال وزينة، وإذا أخذت تحقق مرجع هذا الجمال ومرد هذه الزينة وجدتهما جميعًا يعودان إلى توافقات موسيقية. وركز البحتري هذه التوافقات في القافية؛ إذ اختار لنفسه قافية ثلاثية في القصيدة كلها حتى يطرزها بهذا التنميق والوشي البالغ. والإنسان لا يتابع البحتري في هذه القصيدة حتى يشعر في وضوح بأنه يسمع الصوت من جهة ويبصره من جهة أخرى؛ فهو مجسم في شكل رائع. وقد وصل صاحبنا إلى هذا التجسيم لا عن طريق القافية وحدها؛ بل عن طريق