سلبها سليمٌ فاتحها خير ما فيها من ثروة علمية وفنية؛ إذ أخذ معه كثيرًا من التحف والكتب، كما أخذ معه كثيرًا من الأدباء والعلماء والمهندسين وأصحاب الصناعات الفنية الذين يصنعون أدوات الترف، وانكمشت مصر ولم يعد لها صلة إلا بالقسطنطينية، وهي صلة تقف عند خلع وَالٍ أو بيان مظلمة، صلة التابع بالمتبوع، وأعوز مصر في هذا العصر العثماني الولاةُ والحكام الذين يعنون بالحركة العلمية والأدبية، فانطفأت المصابيح التي كانت مشتعلة في العصور السابقة.
ولا نستطيع أن نقول إن الشعر انعدم في العصر العثماني؛ فقد كان موجودًا، ولكنه وجود خير منه العدم؛ إذ اقتصر الأمر على جماعة يقرءون بعض القصائد الموروثة وخاصة التي كانت قريبة من عصورهم، ثم يعارضونها أو يخمسونها أو يربِّعونها، فيأتون بنماذج لا روح فيها ولا جمال، إنما هي تقليد ركيك ضعيف، ومن أين تأتيها الروح أو يأتيها الجمال وهي تصدر عن نفوس مجدبة، لا تستطيع أن تصنع شيئًا إلا أن تجتر القديم هذا الاجترار الذي يحيله إلى مربَّعات ومخمَّسات في أساليب واهية ضعيفة. وليس من شك في أن الشعراء كانوا يحتالون على ألوان البديع يملئون بها شعرهم، ولكنا نحس أن هذه الألوان أصبحت باهتة في أيديهم؛ إذ فقدت مقدرتها القديمة على التلوين والتعبير. ولعل أهم شاعر ظهر في هذا العصر هو الشهاب الخفاجي، وقد ترجم لنفسه في آخر كتابه: ريحانة الألبَّا، وترجم له المحبّي1 وحكى شيئًا من أشعاره، وهي تدل على ما نقوله من ضعف الروح الأدبية في هذا العصر، وما أصاب الحياة الفنية من عقم وجمود، وكذلك الشأن في عبد الحليم العباسي صاحب كتاب "معاهد التنصيص" فقد ترجم له الشهاب الخفاجي2، وشعره غثٌّ، وهو يدلُّ بدوره على إجداب الحياة الفنية في هذا العصر؛ فقد أسفَّ الشعر، ولم يعد من الممكن أن يعود إلى الارتفاع، والتحليق في أجواء الفن العليا، إلا إذا قدِّمت إليه مجهودات شاقة،