الْبَهَاءُ زُهَيْر:
هذا الشاعر من خير من يعبرون عن الروح المصرية في العصر الأيوبي، ولد في الحجاز بمكة1؛ غير أنه نشأ وتربى في قوص2، وأكبر الظن أنه كان مصري الدار وأنه ولد في أثناء حج أبويه، وكانت قوس التي نشأ بها تعد ثالثة مدن مصر بعد القاهرة والإسكندرية في هذه العصور، وقد تخرج فيه في أثناء العصر الفاطمي غير شاعر، كما تخرج فيها في أثناء هذا العصر ابن مطروح الشاعر رفيق البهاء وصديقه المعروف بوصفه لأسر ملك فرنسا في عهد الملك الصالح بالمنصورة؛ إذ يقول في ذلك من قصيدة طويلة طريفة3:
قل للفرنسيس إذا جئته ... مقالَ صدقٍ من قئولٍ نصيحْ
دارُ ابنِ لقمانَ على حالها ... والقيدُ باقٍ والطواشي صبيحْ
والتحق بهاء الدين وزميله ابن مطروح بخدمة الملك الصالح حينما أرسله أبوه الملك الكامل لحكم بلاد الفرات، ولما توفي أبوه قرَّبهما منه جميعًا، وعهد إلى بهاء الدين بديوان الإنشاء، ولعل من الطريف أن الصديقين كانا من ذوق يميل إلى السهولة المطلقة إلا أن البهاء يتفوق بخفة الروح والعذوبة في الأسلوب، وكاد جمهور شعره أن يذهب في الغزل؛ فهو الموضوع الذي شغل نفسه به طوال حياته، ويرى "بالمر" في مقدمته لديوان البهاء أنه كان صادقًا في غزله، ولكن ينبغي أن نتريث في هذا الحكم؛ لأن البهاء يقول في بعض شعره:
أذكرُ اليوم سليمى ... وغدًا أذكر زينبْ
لي في ذلك سرٌّ ... برقُهُ في النَّاسِ خُلَّب