ابْنُ خَفَاجَة:
هو أبو إسحاق إبراهيم1 بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة، عربي الأصل، ولد سنة 450 للهجرة بجزيرة شُقْر من أعمال بلنسية، وهي جزيرة يحيط بها نهر هناك، فيجعلها جنة من جنان الأندلس، وقد نشأ في بيت علم وأدب، وأقبل على الدرس، وسرعان ما تفتحت مواهبه الشعرية ولمع اسمه واشتهر واتجه بشعره إلى تصوير الطبيعة الجميلة من حوله، ويقول ابن بسام في الذخيرة: إنه لم يتعرض لاستماحة ملوك الطوائف مع تهافتهم على الأدب؛ غير أننا لا نمضي إلى عصر المرابطين "484- 539هـ" حتى نجده يمدح واليهم في الأندلس إبراهيم بن يوسف بن تاشفين ومساعدِيهِ من العمال والقضاة أمثال ابن تيفلويت حاكم شرق الأندلس وأبي العلاء بن زُهْر الطبيب والفقيه المشهور. وذهب إلى حاضرة المرابطين في المغرب؛ فمدح سطانهم علي بن يوسف بن تاشفين ووزراءه وعلى رأسهم صديقه ابن عائشة فكانت تُغْدَق عليه الأموال والهبات من كل جانب، وكان يعود بها إلى بلدته؛ فينفقها في متعه ومسرَّاته. ويقال إنه كف عن صبوته بآخرة، وإنه كان يخرج من جزيرته ويسير بين الوديان والجبال وينادي بأعلى صوته: يا إبراهيم تموت، فيجيبه الصدى ويخرُّ مغشيًّا عليه. وأخيرًا يلبِّي نداء ربه سنة 533 عن اثنين وثمانين عامًا.
وكان الأندلسيون يعجبون به وبشعره حتى ليرفعونه إلى الأفق الأعلى، يقول ابن بسام: "الناظم المطبوع، الذي شهد بتقديمه الجميع، المتصرف بين أشتات البديع". ويقول الفتح في القلائد: "مالكُ أعنةِ المحاسنِ وناهج طريقها، العارف بترصيعها وتنميقها، الناظم لعقودها، الراقم لبرودها". ويقول الحجاري في المسهب: