كأنَّ بني نعيشٍ ونعشًا مطافلٌ ... بوجرة قد أضللن في مهمةٍ خَشَفا1
كأن سهيلًا في مطالعِ أفُقِهِ ... مفارقُ إلفٍ لم يجد بعده إلفا
كأن سهاها عاشقٌ بين عوَّدٍ ... فآونةً يبدو، وآونةً يخفى2
كأن معلَّى قُطْبها فارسٌ له ... لواءان مركوزان قد كره الزَّحْفا
كأن قُدَامى النِّسر، والنسر واقعٌ ... قصصن فلم تسم الخوافي به ضَعْفَا3
ومضى في القصيدة على هذا النحو يصنِّع لهذه التشبيهات التي يحس الإنسان إزاءها أنها جاءت لتعبر عن تلفيق لا لتعبر عن شعور وجمال؛ فكل ما هناك أن الشاعر يريد أن يثبت مهارته باستخدام "كأن" وما يتبعها من صور وأخيلة. وعلى هذا النمط كان الشاعر الأندلسي يجمع في شعره بين صور التصنيع والتصنع جميعًا.
ابْنُ دَاَّرجٍ القَسْطَلِيّ:
وهذا شاعر آخر يقرن بالمتنبي، عاش في القرن الرابع وصدر الخامس، وكان كاتب المنصور بن أبي عامر وزير الأمويين، كما كان شاعره4، وقد ذكره الثعالبي في يتيمته، وقال في حقه: "كان بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام، وهو أحد الشعراء الفحول، وكان يجيد ما ينظم". ويقول ابن بسام عنه: "إنه كان لسان الجزيرة شاعرًا وأولًا حين عد معاصريه من شعرائها المشهورة،