هؤلاء نيوأورليانس ونيويورك ونحوهما، سمى العرب في الأندلس بلدانًا قديمة باسم دمشق وقنسرين وحمص وفلسطين، وأخذوا يعيشون على نمط يشبه نمط معيشة العرب في المشرق، واتصل ذلك بحياتهم في جميع ضروبها ومظاهرها من سياسية واجتماعية وعقلية وفنية. أما حياتهم السياسية فقد حاولوا أن يجعلوها كالحياة السياسية في بغداد إذ نرى الناصر يلقب نفسه بالخليفة1، ويلقب أمراء الطوائف أنفسهم بالرشيد والمأمون والمتوكل والناصر والمنصور والمعتمد، يقول ابن شرف القيرواني2:

مما يزهِّدني في أرضِ أندلُس ... أسماءُ معتضدٍ فيها ومعتمدِ

ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها ... كالهر يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ

أما الحياة الاجتماعية فقد عم التأثر فيها كل شيء؛ إذ نرى الخلفاء يهتمون بالغناء والموسيقى على نحو ما رأينا في بلاط هارون الرشيد والمأمون، وبدأت هذه الموجة مع وفود زرياب عام 206 للهجرة على الأندلس، وكان قد تعلم فن الموسيقى والغناء على إسحاق الموصلي، ثم رحل إلى الأندلس. ويذكر له صاحب نفح الطيب تأثرًا واسعًا في الحياة الاجتماعية لا يقف عند الغناء وما عرف به من إنشاء مدرسة هناك ثم ما كان من إصلاحه للعود وزيادته وترًا على أوتاره يمثل النفس، بل يمتد إلى جوانب أخرى؛ فقد شرع للناس ضروب من البِدْع البغدادي في الزينة والطعام والشراب والاستقبال، فهم يروون أنه سن لهم أن تكون أواني الشرب من زجاج وكانت من ذهب وفضة، كما سن لهم ما يحسن أن يلبسوه ويأكلوه، وكيف يتزين النساء، وكيف يصففن شعورهن إلى غير ذلك من وسائل الحياة الاجتماعية والتأنق فيها3.

أما الحياة الفنية، ونقصد حياة العمارة والبناء فيظهر أن الأندلس تأثرت صورة الزخرف العربي العام، إذ يقولون إن زخرفة قصر الحمراء -المعروف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015