قلنا إنه يسود فيها الخلل والضعف في البناء. وكان القدماء أنفسهم يعرفون فرق ما بين الديوانين؛ فالذهبي يقول: إن السقط جيد بخلاف اللُّزوميات1، وفي غير موضع نجدهم يشيدون بالسقط2، وحقًّا ما يقوله "نيكلسون" من أن أبا العلاء يدين بشهرته في المشرق إلى مجموعة أشعاره الأولى المسماه بسقط الزند3؛ فإن أبا العلاء الشاعر إنما نلقاه في السقط، أما في اللزوميات فلا بد من إضافة وصف آخر غير وصف الشاعر، نسميه أبا العلاء الواعظ أو الزاهد أو المتشائم أو نحو ذلك من أوصاف تعبر عن موضوع الديوان، أما كلمة الشعر والشاعر فمن الصعب أن نضيفهما إليه. يمكن أن نسميه الناظم ولكن من الصعب أن نعطيه لقب الشاعر، أو نسمي ما في اللزوميات شعرًا، وربما كان ذلك يرجع من بعض الوجوه إلى أنه لم يتأنَّ ولم يتمهل في صنع اللزوميات. روى ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار عن بعض القضاة أنه قال: "بينما أنا عند أبي العلاء المعري في الوقت الذي يملي فيه شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم؛ فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت. كان يسكت زمانًا ثم يملي قريبا من خمسمائة بيت ثم يعود إلى الفكرة والعمل إلى أن أكمل العدة المذكور"4. وقد سقنا هذه الرواية لندل بها على أن أبا العلاء لم يكن يعني بتجويد شعره وتحبيره في اللزوميات فهو لا يعطيه المهلة الكافية للصقل والانتخاب والتنقيح، ثم التأليف والتنسيق، فخرج شعره مهلهلًا ضعيف النسج ليس فيه شيء من حبكه التعبير ولا جمال التصوير إلا في القليل الأقل. وليس هذا فقط هو كل الأسباب، فهناك سبب آخر ربما كان أهم من السبب السابق، وهو الطريقة التي أخرج بها أبو العلاء لزومياته، أو بعبارة أدق الغاية التي أرادها للزومياته؛ فقد كان -فيما يظهر- يريد أن يخرجها في شكل خطب وعظ وإرشاد، يقول في مقدمتها: "إنها تمجيد لله الذي شرف عن التمجيد ووضع المنن في كل جيد، وبعضها