عصره؛ إذ كانوا قد هجروا النحو الكوفي إلى النحو البصري، ولعله من أجل ذلك شغف العلماء -كما أسلفنا- بشعره وشرحوه مرارًا. ونحن نسوق جانبًا من هذه التراكيب الكوفية الشاذة عنده، يقول ابن الأنباري: "ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز ترخيم الاسم الثلاثي إذا كان وسطه متحركًا، وذلك نحو قولهم في عنق: "يا عن". وفي حجر: "ياحج". وفي كتف: "ياكت". وذهب بعضهم إلى أن التخريم يجوز في الأسماء على الإطلاق، وذهب البصريون إلى أن ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف لا يجوز بحال"1 ويقول المتنبي:
أَجِدَّكَ ما تَنفَكُّ عانٍ تَفُكُّهُ ... عُمَ اِبنَ سُلَيمانَ وَمالٌ تُقَسِّمُ
فيرخِّم كلمة عمر ويجعلها "عم" بل هو يرخم في غير النداء كقوله:
مَهلاً أَلا لِلَّهِ ما صَنَعَ القَنا ... في عَمرو حابِ وَضَبَّةَ الأَغتامِ3
يريد عمرو بن حابس. ويقول ابن الأنباري: "ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض لضرورة الشعر، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز بغير الظرف وحرف الجر"4 ويقول المتنبي:
حَمَلتُ إِلَيهِ مِن ثنائي حَديقَةً ... سَقاها الحِجى سَقيَ الرِياضَ السَحائِبِ
فيفصل بين السقي والسحائب بالمفعول على رأي الكوفيين، ويقول ابن الأنباري: "ذهب الكوفيون إلى أنَّ "أنْ" الخفيفة تعمل في الفعل المضارع النصب مع الحذف من غير بدل وذهب البصريون إلى أنها لا تعمل مع الحذف من غير بدل"5
ويقول المتنبي:
وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَد ... أَشفَقتُ تَحتَرِقَ العَواذِلُ بَينَنا