ويقول عديّ بن الرقاع1:

وقصيدة قد بتُّ أجمع بينها ... حتى أقَوِّمَ مَيْلَهَا وَسِنَادَهَا

نظرَ المثقِّف في كعوب قناته ... حتى يُقِيمَ ثِقَافُه مُنْآدها2

ويقول سويد بن كراع العُكْليّ3:

أبيت بأبواب القوافي كأنما ... أصادي بها سِرْبًا من الوحش نُزَّعا4

أكالئُها حتى أعَرَّسَ بعدما ... يكون سُحَيْرًا أو بُعَيْدُ فَأَهْجَعَا5

إذا خفتُ أن تُرْوَى عليَّ رَددتُها ... وراء التراقي خشية أن تطلعا

وجشَّمني خوفُ ابن عَفَّان رَدَّها ... فَثَقَّفْتُهَا حولًا جريدًا ومَرْبعا6

وقد كان في نفسي عليها زيادةٌ ... فلم أرَ إلا أن أطيع وأسمعا

وهذه الأبيات كلها تنطق بما كان يضعه الشاعر الإسلامي في نماذجه من جهد وتعب ومشقة؛ فهو يجنبها المساند والمحال، وهو يثقفها حولًا كاملًا حتى يقوّم ميلها وانحرافها، وهو يحس إزاء استنباط أفكارها ما يحسه الصائد تلقاء سرب من الوحش، وهو ما يزال يحكم فيها حتى يخرجها، وفي نفسه -كما يقول سويد- عليها زيادة. وليس من شك في أن هذا كله دليل على أن "مذهب الصنعة" أخذ ينمو في العصر الإسلامي؛ ولعل كُثَيِّرًا تلميذ مدرسة زهير خير من يفسر لنا هذا النمو؛ فقد كان يعجب كزهير بالصور البيانية، وكان يطلب فيها أن يقع على الغرائب والطرائف حتى يستولي على أذهان الناس وعقولهم، على نحو ما نرى في هذا البيت7:

غُمْر الرداء إذا تبسم ضاحكًا ... غَلِقتْ لضحكته رقابُ المالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015