تضمُّ الطريد إلى نحرها ... كضمّ المحبة من لا يحبّ

أرأيت إلى هذه الصورة؟ إنها صورة خيالية رائعة لا بد لها من خيال فنان حتى يعرضها على أنظارنا؛ فإذا هذا العناق الغريب. وانظر إلى قوله:

ودنا إليَّ الفرقدان كما دنت ... زرقاءُ تنظر في نقابٍ أسود

فإنك ترى ابن المعتز يعرف كيف يطرف قارئه بالصور الغريبة وإنها لصور نادرة. هي ليست صورًا جامدة من تلك التي تواضع عليها الشعراء وأصبحت متحجرة في اللغة، إذا فقدت نضرتها وبهجتها؛ بل هي حية ناضرة وكأنما نقشت رسومها بالأمس، نقشها شاعر كان صبًّا ببعث الحياة والحركة في صوره حتى ليحس من يقرأ في ديوانه كأنه يعيش في دار من دور الصور المتحركة، فما يزال يرى مناظر وأشكالًا من شخوص ووجوه. وهي وجوه مستعارة، ولكنها تعبر عن روعة الفن بأجمل مما تعبر عنه الوجوه الحقيقية. وانظر إلى صورة الليل وهذا الوجه الحبشي.

قد أغتدي والليلُ في إهابه ... كالحبشي مالَ عن أصحابِهِ

والصبحُ قد كشَّف عن أنيابِهِ ... كأنه يضحك من ذهابِه

فإنك ما تلبث أن تستغرق في الضحك من هذا الحبشي أو هذا الوجه المستعار؛ بل إنه لوجه حقيقي يعبر عن حقيقة مظلمة وراءه، ولكن سرعان ما يخلفه وجه آخر ضاحك، وهو وجه الصباح الجميل.

وعلى هذا النمط ما نزال نرى في شعر ابن المعتز صورًا متحركة قد أعطاها أوضاعًا تؤكد حقيقتها وتجعلنا كأننا نلمسها ونشاهدها، وهل هناك صورة تثبت في الذهن كهذه الصورة التي أخرج فيها الصبح بعد المشتري:

والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريانُ يمشي في الدجى بسراج

إنها صورة عارية، وقد يؤذينا هذا العري؛ ولكنا لا نرتاب في أنه يثبت الصورة في عقولنا، ومن ينسى هذا الصبح الذي ذكره ابن المعتز؟ من ينسى هذا العريان وسراجه الذي كان يحمله في الدجى فيكشف عن نيته ويفصح عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015