أو يقول في الآذريون:
كأنَّ آذريونها ... والشمسُ فيه كاليه
مداهنٌ من ذهبٍ ... فيها بقايا غاليه
أو يقول في الهلال:
انظرْ إليه كزورقٍ من فضَّة ... قد أثقلته حمولةٌ من عنبرِ
ويقول فيه:
انظرْ إلى حسنِ هلالٍ بدا ... يهتكُ من أنوارِه الحِندِسا
كمنجلٍ قد صيغَ من فضةٍ ... يحصدُ من زهر الدجى نرجِسا
أو يقول في قمر مشرق نصفه: "كأنه مجرفة العطر"؛ فقد استطاع ابن المعتز بهذه الأوضاع من التشبيه ونظائرها أن يطوف بنا في قصور من الوهم والخيال تحكي قصور ألف ليلة وليلة. وفي هذه القصور الخيالية يعيش من يقرأ في ديوان ابن المعتز؛ فإذا هو يرى مداهن من تبر، كما يرى كثيرًا من أواني الذهب والفضة المرصَّعة بأنواع الجواهر واللآلئ. إن التشبيه صبغ واحد ولكن ابن المعتز عرف كيف يحلِّله وكيف يستخرج منه أوضاعًا لا تحصى. وهذا هو سبب ما نزعمه من أنه شاعر مصنِّع؛ بل هو شاعر يعقد في التصنيع، فقد أخذ صبغًا واحدًا من أصباغه وذهب يعقده ويستنبط منه ما لا يحصى من أوضاع رائعة، وهل هناك أروع من هذا الهلال الذي يشبه منجلًا من فضة؟ لقد وصف فيكتور هيجو الهلال بأنه منجل ذهب"UNصلى الله عليه وسلم Fصلى الله عليه وسلمUCILLصلى الله عليه وسلم عز وجل;OR" فراعَ أصحاب الأدب الفرنسي؛ ولكن ابن المعتز لا يقف عند هذه الصورة العامة بل هو يضيف إليها بقية غريبة فإذا السماء حقل من نرجس لا من نجوم، وإذا هذا المنجل يحصد نرجسها بأضوائه وأنواره، وارجع إلى الصورة الأخرى التي صوَّر فيها ابن المعتز الهلال بزورق من فضة؛ فقد أضاف إلى الصورة البصرية التي نتخيلها في الزورق صورة عطرية، إن الصبغ واحد هو التشبيه ولكن ابن المعتز عرف كيف يستخرج منه أوضاعًا وأشكالًا كثيرة، فإذا لكل وضع بهجته ولكل شكل مسرته.