عند هذا الجانب التي وصفناها؛ بل تتعداها إلى جانب آخر مهم، وهو جانب "الإغراب في التصوير" على نحو ما نراه يصور الحرب في معلقته هذا التصوير الرائع:

ومال الحرب إلا ما علمتم وذُقْتُم ... وما هو عنها بالحديث الْمُرَجَّمِ1

متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً ... وتَضْرَ إذا ضرَّيتموها فتضْرَمِ2

فتَعْرُكْكُم عَرْكَ الرَّحى بثِفالها ... وتلقحْ كشافًا ثم تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ3

فَتُغْلِلْ لكم مالًا تغلُّ لأَهلها ... قرىً بالعراق من قَفِيزٍ ودرهمِ4

فإن الصور تزدحم في تلك الأبيات، وليس هذا ما يلفتنا؛ إنما يلفتنا تلك الصور الغريبة التي صور فيها الحرب تطول حتى تنتج غلمان شؤم، بل هي تُغلّ لهم غلة ليست كغلة أهل العراق ففيها الموت والهلاك. وليس من شك في أنه تعب تعبًا شديدًا قبل أن يصل إلى تأليف هاتين الصورتين. وانظرْ إليه يخرج إلى تصوير آخر لعله أكثر تعقيدًا؛ إذ يقول في حروب القبائل التي لا تخمد نارها.

رَعَوا ما رعوا من ظِمْئِهِمْ ثم أَوردوا ... غِمارًا تسيل بالرماح وبالدَّمِ5

فقضَّوا منايا بينهم ثم أَصدَرُوا ... إلى كَلَأٍ مُستَوبلٍ متوخَّمِ6

فقد عبر عن سلمهم وحربهم وما يبلون منها بتلك الصور من الإبل التي ترعى مراعي وبيلة؛ فإذا أرادت أن تشرب لم تجد إلا تلك المياه التي تسيل بالرماح والدم، وكل ذلك ليستهوي السامعين بما يذكر من صور غير مألوفة، وربما كان من أروع الأدلة على تكلف زهير، وأنه كان لا يترك جانبًا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015