وبدائع الخيال والتصوير، مع تمثيل المجتمع بكل ما كان يخوض فيه.

ومن أهم ما يميز هذا الأسلوب أنه لا تنقطع فيه الصلة بين القديم والجديد، فهو يحتفظ بخير ما في القديم من ألفاظ، وكل ما يدخله عليها إنما هو التهذيب والتصفية والترويق، وأيضًا فإنه يحتفظ بخير ما في القديم من معانٍ وصور، وهو يشفع ذلك بدقائق الفكر العباسي الجديد واستنباطاته الخفية ومحاسن خياله الحديث وتصويراته المونقة البارعة.

وبذلك تطور الشعر في العصر العباسي تطورًا مثمرًا، تتوثق فيه العلل والأسباب بين القديم والجديد توثقًا نحسُّ فيه ضربًا من المحافظة المنتجة الحية، كما نحس فيه ضربًا من التحول مع العصر وكل ما يداخله من ألوان الحضارة والترف وآثار الثقافة والفكر العميق. وقد يتغلب عنصر التحول على عنصر المحافظة عند بعض الشعراء، وقد يشوبون ذلك بضرب من الثورة على القدماء؛ غير أن هذا لا يخرج بالشعر العباسي -حتي عند هؤلاء الثائرين- على أصوله التقليدية؛ فالقديم يزاوج فيه الجديد مزاوجة تتيح له الخلوص من العقم والجمود، كما تتيح له التطور الحي في التعبير والتفكير والتصوير.

وقد حاولت في هذه الطبعة أن أوضح هذا التطور للشعر العباسي، ودرست أعلامه الأولين الذين مهدوه وثبتوه، وهم بشار وأبو نواس وأبو العتاهية ومسلم بن الوليد؛ حتي يستبين ازدهار مذهب الصنعة على أيديهم وما نشأ من مذهب التصنيع الجديد، ومن أجل ذلك كله أعدت كتابة فصل الصنعة والتصنيع، وكل ما زدته أو أضفته إنما هو في سبيل استكمال معاني هذه الدراسة الأدبية ومذاهبها الفنية. والله الهادي إلى سواء السبيل.

القاهرة في 15 مارس سنة 1960 شوقي ضيف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015