زوجه، وربما كانت رومية، وقد وُلد لهما بشار في العقد الأخير من القرن الأول للهجرة أعمى لا يبصر1، وحددت هذه الآفة حياته؛ إذ جعلته يتجه إلى مجالس العلماء والأدباء، وكان ذكيًّا؛ فأخذ يتعلم العربية، وساعده على ذلك مرباه في بني عقيل؛ إذ وهبته امرأة المهلب لإحدي صديقاتها منهم2 وأيضًا فإنه حين أيفع تبدى حتى أدرك كما مر بنا في غير هذا الموضع، ويقال إن أباه طيَّانًا يضرب اللبن3 وكان له أخوان احترفا مهنة الجزارة.
ولما استيقظت في بشار مواهبه الشعرية أخذ يغدو على المربد؛ فيستمع للفرزدق وجرير وأضرابهما، وتعرض لجرير يريد أن يرد عليه حتى يشتهر؛ ولكنه لم يأبه له. وظل يعنى بهذا الفن فن الهجاء، حتى يقال إنه كان سبب حتفه5. ولا نشك أنه منذ نشأته كان يقصد سراة البصرة بمديحه، حتى يجلب لنفسه بعض المال. وأخذ يخالط علماء الكلام؛ فكان يصحب واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة، وأعدَّه ذلك لأن يتصل بآراء الزنادقة التي كان يرد عليها واصل وغيره من المتكلمين، كما أعدَّه لأن يعرف شيئًا من منطق اليونان وفلسفتهم؛ مما تسرب إلى تلك الجماعة، ولا نصل إلى سنة 126 للهجرة حتى يفسد ما بينه وبين واصل لما أظهره من زندقة سبق أن عرضنا لها، وأباح واصل دمه؛ ففر من البصرة ووفد على حران فمدح سليمان بن هشام بن عبد الملك، وتحول إلى واسط حين ولي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة؛ فلزمه وقدم له مدائح يتضح فيها تعصبه لقيس لأن الأمير كان قيسيًّا وكان هو ولاؤه أيضًا لقيس المضرية، وكذلك كان الخليفة مروان بن محمد مضري النزعة، فلجج في هذا الباب طويلًا. وتطورت الظروف، وتوفي واصل وقامت الدولة العباسية على رماح الخراسانيين؛ غير أنه لم يعد إلى البصرة إلا بعد وفاة عمرو بن عبيد خليفة واصل سنة 144 للهجرة6، وقد عاد ثائرًا، شاعرًا كأن الدنيا أقبلت عليه،