يتعاورون مُدَامةً ... صَهباء من حَلَب العصير1
عذراء ربَّاها شعا ... ع الشمس في حَرِّ الهجير
لم تُدْنَ من نارٍ ولم ... يعلق بها وضَرُ القُدور2
ومقرطقٍ يمشي أمام ... القوم كالرَّشَأ الغَريرِ
بزجاجة تستخرج السِّـ ... ـرَّ الدفين من الضمير
زهراءَ مثل الكوكب الـ ... ـدري في كف الْمُدير
تدع الكريم وليس يَدْ ... رِي ما قبيلٌ من دَبِيرِ3
ومخصَّرات زُرْنَنَا ... بعد الهدوّ من الخدور4
ريَّا روادفهنَّ يلـ ... ـبَسْنَ الخواتم في الخصور5
غُرّ الوجوه محجبا ... ت قاصرات الطَّرف حُور6
متنعِّمات في النعـ ... ـيم مضمَّخاتٍ بالعبير7
يَرْفُلْنَ في حلل المحا ... سن والمجاسد والحرير8
ولم تكن حياة أبي العتاهية كلها لهوًا ومجونًا؛ فقد انصرف عن هذا العبث وتلك الخلاعة إلى الزهد. وربما كان أبو نواس أهم من حمل ذنوب عصره على ظهره؛ فقد عاش حياة متهتكة آثمة يندى لها جبين الأخلاق والآداب الاجتماعية، واشتهر بإجادته لفن الخمريات إذا نظم فيها أروع شعره، حتى عُدَّ شاعر الخمر في العربية، وهو حقًّا لا يبارَى في التغني بها، إذ كانت تملك عليه شغاف قلبه عي نحو ما نرى في قوله9:
أثنِ على الخمر بآلائها ... وسَمِّها أحسن أسمائها