لا تنفك من الدراسة لصنعتها منكبَّة عليها تأخذ من المطارحين الذين طرحهم كله تجميش1.." وهؤلاء الجواري كن يختلفن ما بين عَوَّادة وزامرة وصناجة ورقاصة وطنبورية ودفاقة. وكانت كثيرات منهن يحسنَّ الشعر كما يحسن الغناء. يقول أبو الفرج في دنانير جارية البرامكة: "كانت من أحسن الناس وجهًا وأظرفهم وأكملهم وأحسنهم أدبًا وأكثرهم رواية للغناء والشعر2" ويقول في متيَّم: "كانت صفرء مولدة من مولدات البصرة، وبها نشأت وتأدبت وغنت، وأخذت عن إسحاق الموصلي وعن أبيه من قبله، وكانت من أحسن الناس وجهًا وغناء وأدبًا، وكانت تقول الشعر ليس مما يستجاد؛ ولكنه يستحسن من مثلها3" ويقول في عَربب: "كانت مغنية محسنة وشاعرة صالحة الشعر، وكانت مليحة الخطّ والمذهب في الكلام ونهاية في الحسن والجمال والظرف وحسن الصورة وجودة الضرب واتقان الصنعة والمعرفة بالنغم والأوتار والرواية للشعر والأدب4". وكن يستخدمن معرفتهن بالشعر في اجتذاب الرجال إليهن بوسائل مختلفة؛ إذ كن يكتبن أبياتًا مثيرة على عصائبهن ومشادّ الطُّرَرِ والذوائب وعلى المناديل والوسائد والأسرة أو يكتبنها بالحناء على الأقدام5، ويروي بعض العباسيين أنه رأى عريب وعليها قميص موشح بالذهب مكتوب في وشاحة:
وإني لأهواه مسيئًا ومحسنًا ... وأقضي على قلبي له بالذي يقضي
فحتى متى روح الرضا لا ينالني ... وحتى متى أيام سخطك لا تمضي6
وترجم ابن المعتز في آخر طبقاته لطائفة منهن كن يحسن الشعر7، لعل أهمهن فضل عاشقة سعيد بن حُمَيد، وشعرها في الأغاني يصور عشقها له ومراحله8.
وقد بعثت هؤلاء الجواري في الكوفة والبصرة وبغداد لهوًا واسعًا على نحو