والثاني أن فحوى الكلام: رحمتنا قد دخل فيها قوم، كما يقوم دارنا قد دخلها قوم، والدخول حركة مخصوصة، وكل حركة فهي مرئية بالبصر، فقد أخبر عما لا يدرك بالبصر، وأحد هذين الاعتبارين مغاير للآخر، ألا ترى أن قولهم "فلان قد عضه الدهر" فحواه أمر يدرك بالبصر وهو العض فلأجل تغاير هذين الاعتبارين جعلهما أبو الفتح -رحمه الله- قسمين.

63- قال المصنف: على أن التوكيد ها هنا لا أعلم ما أراد به، لأنه لا يؤتى به في اللغة العربية إلا لمعنيين: أحدهما أنه يرد بألفاظ محصورة، نحو نفسه وعينه وكله وغير ذلك مما هو مذكور في كتب النحاة، والآخر أنه يرد على وجه التكرير، كقولك قام زيد قام، زيد فكرر اللفظ تحقيقا وتوكيدا للمعنى المقصود، وأبو الفتح لم يرد أحد هذين القسمين، فلا يكون له معنى إلا أن يريد إبراز المعنى الموهوم إلى صورة المشاهدة، وقد عبر عنه بالتوكيد، فيكون ذلك هو التشبيه بعينه، فلا حاجة إلى إيراده بالذكر1.

أقول: ما أراد أبو الفتح رحمه الله شيئا مما توهمه هذا الرجل، وقد اعترف بأنه لمي فهم مراده مع ظهوره. وذلك أن أحد الأغراض الصحيحة في نقل العبارة عن موضعها الأصلي إلى غيره تأكيد المعنى على وجه يفعل في نفس السامع مالا تفعله الحقيقة، كقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} 2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015