على التجار لمقهوريتهم مع الدولة وحامية الملك وخاصته المخادعين بالاستدانة والأرباح الكاذبة والمواعيد الباطلة والرهون الغير المملوكة والالتجاء إلى الاعسارات والحيل الشرعية والاستعانة بشهود الزور ووكلاء السوء، وربما ذلك على التاجر الماهر فعاقه وأقعده عن أمثاله حتى على رأس ماله.
وأما الفلاحة فعوارضها السماوية أكثر من أن تعد من البرد والهواء المفرطين وانقطاع المطر وكثرته في غير وقته ونزول كبار الحصى والبرد وثقيل الثلج وشدة الحر ومجيء الجراد المنتشر، وكذلك العوارض الأرضية من سوء النبت وسباخة الأرض وخبث طينها ووضع الأشياء متأخرة عن أوانها وعدم استكمالها بحرثها وشروطها ونبات الأشياء المضرة خلال الأشياء المطلوبة، ومن الجرذ والفار واليربوع، ومن رخص البقول والخضراوات وما في معناها مما لا يقل الادخار مع غلاء بذورها، ومن عدم نصيحة الملعونين فيها وخبائتهم واختلاسهم وتفويت الأعمال الكمالية المصلحية وتسليط الظلمة عليهم واستعبادهم وتوسيع شروط مقاسمتهم وفرض الفرائض والتفنن في وجوه الجبايات وأنواع الظلامات
وإلجائهم إلى بيع زراعاتهم في حال كسادها وعدم رواجها مع ما يختص به أهل البدو من رداءة العيش وخشونته والبعد عن أحوال الحضارة من الرفاهية والترف وموجودية المطالب والتحلي بالعلوم، ثم مع ذلك كله ما هم عليه من دخول المهانة في قلوبهم وظهورها في أحوالهم وعلى شمائلهم، وناهيك قوله صلى الله عليه وسلم: {ما دخلت السكة دار قوم إلا دخلها الذل}.
وأما الصناعات فلقلة الماهر الحاذق فيها. وعلى الجملة فالصنائع شاغلة لأصحابها عن الدعة والراحة والرفاهية ويطرقها الكساد كثيراً ونفاقها لا جدوى له ولا يحظى صاحبه بطائل، وأصحاب الصنائع باذلون رقهم وعبوديتهم بأقل قليل للفقير والغني والمسلم والذمي، فهم بمراحل عن الشهامة وعلو الهمة والأنفة.
ثم جهات المعاش الثلاثة مفتقرة إلى التعاون والتناصح، وقد انقطعا من كافة البشر أو عامتهم لاتساع موجبات التباغض والتماقت لكثرة مقتضيات التحاسد ولحيلولة كل واحد الآخر عن مراده الناشئة من الكبر والعجب والعداوة وخوف الازدحام على مطلوب واحد، ولفوات بعض المقاصد بكثرة الشركاء وحب المباهاة والإنفراد بالمجد وخبث النفس وفساد