وأما الكيمياء فلا بحث في إمكانها على يد ولي من قبيل الكرامات وخرق العادات، وفي في الوصول إلى تصحيح صبغها ظاهراً على وجه التلبيس والغش كما يفعله الفساق، إنما في تصيير النحاس ذهباً حقيقة على طريقة صناعية مطردة، فهذا مما لا اعتقد صحته.
وقد صنف الشيخ تقي الدين بن تيمية رسالة في إنكارها، وكذلك ابن قيم الجوزية
كما حكاه هو عن نفسه في كتابه المسمى (مفتاح دار السعادة).
واضطراب كلام الفارابي في إمكانها فأثبتها مرة ونفاها أخرى والشيخ أبو علي بن سينا سلم إمكان أن يصبغ النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب، وان يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص. قال: وأما أن يكون الفصل المنوع يسلب أو يكسى فلم يظهر لي إمكانه، إذ هذه الأمور المحسوسة يتشبه أن لا تكون الفصول التي بها تصير هذه الأجسام أنواعاً، بل هي أعراض ولوازمها وفصولها مجهولة، وإذا كان الشيء مجهولاً كيف يمكن قصد إيجاده أو إفنائه.
وللفلاسفة في امتناعها مطلقاً حجج كثيرة: فمن أقواها أن الطبيعة إنما تعمل هذه الأجسام من عناصر مجهولة عندنا، ولتلك العناصر مقادير معينة مجهولة عندنا، ولكيفيات تلك العناصر مراتب معلومة أي في نفسها وهي مجهولة عندنا، ولتمام الفعل والانفعال زمان معين هو مجهول عندنا ومع الجهل بكل ذلك كيف يمكننا عمل هذه الأجسام.
(ومنها) لو كان الذهب الصناعي مثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصناعة مثلا لما بالطبيعة لكن التالي باطل، أما أولاً فلاناً لم تجد شبها، وأما ثانياً لو جاز أن يوجد بالصناعة لما حصل بالطبيعة ولما ثبت امتناع التالي ثبت امتناع المقدم.
(ومنها) أن لهذه الأجساد أماكن طبيعية وهي معادنها هي لها بمنزلة الأرحام للحيوان. فمن جوز تولدها من غير تلك المعادن كان كمن جوز تولد الحيوان من غير الأرحام.
(ومنها) أن هذه الأجساد بفصولها النوعية، وتلك الفصول مجهولة لنا، فلا يمكننا إيجادها ولا إعدامها، وبتقدير أن تكون الفصول معلومة لنا لا يمكننا إزالتها وتحصبلها، لأنه لو جاز أن يجعل نوع نوعاً لجاز أن يجعل الفرس حماراً وبالعكس.
(ومنها) أن الجوهر الصابغ إما أن يكون أصبر على النار من المصبوغ أو يكون المصبوغ اصبر أو متساويين، فإن كان الصابغ اصبر وجب أن يفنى المصبوغ قبل الصابغ، وان كان المصبوغ اصبر وجب أن يفنى الصابغ ويبقى المصبوغ