بالشريعة المنزلة هي لا شك على أرفع المراتب. لكن الخلافة ليست «من عقائد الإيمان»، إنما هي، على الحد الأقصى، شأن من شؤون المصلحة العامة والتنظيم الاجتماعي (26). لقد وجدت لحماية الدين وتولي القيادة السياسية. وأي ملك يقوم بهذين الأمرين له مثل ما لها من السلطة. وهي، كالملك، قائمة على آصرة الدم الطبيعية، آصرة نسب قريش (27). وهي قابلة للتغير، لا بل أنها، بالواقع، قد زالت. إن عصبية العرب، التي أنشأت أولًا الدولة الأموية ثم الدولة العباسية. أدت مع الزمن إلى إنشاء ملك كانت غايته مصلحة الإسلام في بادئ الأمر، ثم أصبحت فيما بعد المصلحة الذاتية. وهذا الملك أدى بدوره إلى تلاشي العصبية العربية (28). ورأى ابن خلدون أيضًا أن الخلافة إنما كانت في حقيقتها من نتاج العهد العربي للإسلام، وأن نشوء أنواع أخرى من العصبية قد أدى إلى أنواع أخرى من الملك، وأنه لا بد أن تكون السلطة السياسية في يد الذين تجمعهم العصبية السائدة، لأنهم هم وحدهم قادرون على القيام بوظائف الحكم. ولما كانت العصبية الجديدة تركية في القسم الشرقي من العالم الإسلامي وبربرية في غربه، وكان العلماء من أصل عربي بنوع خاص، فليس بإمكانهم أن يشتركوا في عملية الحكم (29).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015